لكل شئ في مصر حمي يرعى من رادع القانون أو زاجر الضمير أو
حرمة التقاليد إلا مسالة الملكية الأدبية، فإنها لا تزال كالكلأ المباح
ينتبه الناهبون تحت سمع الناس وبصرهم في غير تحرج ولا تأثم،
وكان أثر الفكر، وهو الغالي العزيز، كتب عليه في هذا البلد أن يكون
كالطفل اللقيط، يصح لأي عقيم من الناس أن يتبناه. . .
على أني قد استسيغ انتهاب الأثر الفكري يتأتى من جاهل يريد أن يتحلى بالانتساب إلى العلم، لأنه يكون كجرم من عالم إذا يسرق ليأكل، ولكن كيف يستساغ هذا الجرم من عالم يجب أن يتحلى بأمانة العلم وكرامة العلماء، وبخاصة إذا وقع من الحي نحو الميت، ومن الصديق مع الصديق، وكان الأمر في هذا معلما لسائر الناس؟
وهذه قصة من قصص الجنايات الأدبية التي تقع كثيراً في مصر، ولكنها غريبة في أطوارها مريبة في تفصيلها، وان الأمر فيها ليتجاوز كل ما ألف الناس في هذا السبيل.
يرجع الفصل الأول من هذه القصة إلى اكثر من عشرين عاما مضت، إذ كان أستاذنا وصديقنا الأستاذ محمود مصطفي رحمة الله عليه قد تملكته الرغبة في نقل كتاب قصص اللغة العربية بأسلوب جزل يقوي ملكة الإنشاء في الشباب ويقوم ألسنتهم في التعبير، وما كان الأستاذ محمود مصطفي يعرف لغة أجنبية، أو قل إنه كان لا يدرك من ذلك القدر الذي يعينه على النقل والترجمة، ولكنه رأى أن السيد مصطفي لطفي المنفلوطي وهو أيضاً لم يتعلق بلغة أجنبية قد نقل إلى العربية عدة روايات عن الفرنسية وغيرها، إذ كان يعتمد في هذا على مترجم ينقل له نقلا حرفيا، ثم يأخذه فيصقله صقلا عربيا مبينا، بعد أن يتصرف فيه على هواه ويجري به في السرد كما يرى، ومن ثم قوبلت روايات المنفلوطي بالارتياح والتقدير من ناحية أسلوبها العربي ولكنها قوبلت بالاستنكار من ناحية ارتباطها بالأصل الأجنبي، حتى قال أحد الأدباء أن من الخطأ والإسراف أن يسمي المنفلوطي عمله هذا نقلا وترجمة وإنما الأحرى أن يسميه مسخا وتشويها.