للشعوب أخطاء كما للأفراد أخطاء، وشر هذه الأخطاء ما يقع في القواعد الاجتماعية، إذ الخطأ تكون له نتائج سيئة الأثر تتجرع الأمم غصصها ما دامت فيها هذه الأخطاء وخير ما يسديه إلى أممهم رجال الاجتماع والعلماء بروح الجماعات وطبائع الشعوب أن يصلحوا لهم هذه الأخطاء ليجنبوهم شرورها، ويصلحوهم بإصلاحها. إن لكل خطأ مهما كان أضراره، فالرجل إذا أخطأت الجادة تردى صاحبها في الحفرة أو تعثر بحجر، والمرء إذا أخطأ في تجارته منيت بالبوار، وصاحبها بالخسارة؛ وإذا أخطأ في طعامه وشرابه ولباسه فقد الصحة وعاودته الأوجاع والأسقام.
هذه أضرار تنشأ عن الأخطاء، وهي وإن كانت شديدة ولكنها لا تبلغ ضرر خطأ الجماعة في قاعدة اجتماعية، لأن الضرر يكون عاماً بقدر ما في هذه الجماعة من عموم دائم بقدر ما في الخطأ من مكث، بالغ في الشدة بقدر ما في الخطأ من انحراف عن الصواب. وإن الأمة الإسلامية لها أخطاء في القواعد الاجتماعية تجني منها الألم والحسرة. وقد رأيت أن أصلح لها خطأ من هذه الأخطاء وأجعل ذلك هدية مني إليها في مستهل هذا العام الجديد. وسأذكر هذا الأخطاء وإصلاحه بعد أن اذكر بين يديه مقدمة.
إن كل شيء في الكون يتنازع الوجود، والبقاء في هذا التنازع للأقوى، وقد كان الفرد قبل تكون الجماعات ينازع الفرد، ثم ألتمس أسباب القوة بالاجتماع، وقد أخذ الاجتماع أشكالاً عدة من الأسرة والعشيرة والبطن والقبيلة، وقد كان النزاع بين الأسرة والأسرة القبيلة والقبيلة نتيجة غلبة الأقوى تبعاً لقانون إنما العزة للكاثر؛ ثم أخذ الاجتماع شكلاً أوسع بالمدينة والمملكة فكان أهل كل مملكة يكونون وحدة مستقلة تجلب لنفسها الخير وتدفع عنها الضير، ثم جاء الدين الإسلامي فكون وحدة إسلامية لم تبلغ وحدة من العظم والتجانس ما بلغته هذه الوحدة.
عمل الإسلام على غرس المحبة والتضامن بين أجزاء هذه الوحدة فقال: لن يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.