للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تطور التجارة نحو وحدة عالمية]

(وهي محاضرة ألقاها معاليه بقاعة بورت التذكارية)

لصاحب المعالي محمد حافظ رمضان باشا

دعاني قسم الخدمة العامة إلى أن أفتتح موسمه الثقافي هذا العام عن تطور هذا الاتجاه نحو وحدة عالمية. وإني لأشكر للقائمين بالأمر فيه هذه الدعوة، وإني أتقبل بالسرور أن أساهم بنصيب في نشر الثقافة العامة في مصر. ومما يسعدني أن المعاهد العلمية والدوائر السياسية في هذه الأيام تبدي اهتماماً بدراسة مصير العالم من حيث ارتباط بعضه ببعض، فإن الله بعث أرواحنا في الحياة كشعلات مضيئة تنمو بالمعرفة وتزداد نوراً بالتضامن، وقد وضع في قلوبنا بذور السعادة فلا محل لأن ننتزعها بالحرمان والتفكك بل يجب أن ندعو دائما إلى الحقائق العلمية.

إن السلام العام لا يتم بترك الأمور تجري في طريقها، فحوادث العالم وتاريخها وطبيعتها كلها تحملنا على القول بأن نار الحروب لن تخمد، ولكن جهود التخريب يمكن مغالبتها بالعمل على تحويل وجهة الحوادث، وهذه المهمة تقع اليوم على عاتق الشعوب أكثر من غيرها، وهو أمر يتوقف على إرادتها الإجماعية. وهذه الإرادة لابد أن توجه مجر الحوادث إلى طريق وحدة عالمية للأمن والسلام

ولا ريب أن التطور الذي نشاهده اليوم نحو هذه الوحدة ليس وليد هذه الحرب بل قد بدأ منذ أواخر القرن الثامن عشر عندما اخترعت الآلات الصناعية وانتشرت في مناطق الفحم والحديد فتوجهت جهود الشعوب إلى ميدان الصناعة والاقتصاد وبدأ العالم يتجه نحو وحدة اقتصادية؛ وإذا كان أساطين السياسة قد جهلوا أو تجاهلوا هذا التطور منذ بدايته مدفوعين بأغراض سياسية فإنهم اليوم يجهرون به ويعملون لتنظيم العالم تبعا لمقتضياته.

وإذا كلن مفهوماً أَيها السادة فيما مضى مع تباعد الأمم وعزلتها أن يقوم للوطنية المبنية على وحدة الجنس واللغة وحدها قائمة فقد أصبحت حال شعوب العالم اليوم مرتبطا بعضها ببعض، وأصبح القول بغير ذلك ضربا من الأثرة يرضي به كبار الساسة خيلاءهم. ولا عجب فالعالم يتطور قطعا نحو وحدة عالمية. إذ قد ارتبطت أجزاؤه كلها برباط وثيق وأصبح ما يصيب أدناه يشعر به أقصاه شعوراً ليس مبناه العاطفة وحدها وإنما أساسه

<<  <  ج:
ص:  >  >>