للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المستعمرة الذرية]

للأستاذ محمد محمود زيتون

قالوا (العلم لا وطن له) وهم بذلك أرادوا ألا تدنس السياسة أقداس العلم، ومحاريب العلماء، بل أرادوا ألا يتأثر العالم في علمه وبحثه بأي عامل سياسي أو جنسي أو ديني حتى يتحقق للعلم استقلاله، ويؤدي رسالة النهوض بالإنسانية إلى ما يخفف عنها أعباءها، ويختزل الصعاب التي تواجهها.

وهذا ما يفهمه كل إنسان على ظهر هذا الكوكب المعمور، فليست عملية حسابية أو تجربة كيميائية أو ظاهرة طبيعية أو عملية جراحية مما ينسب إلى وطن بعينه، وإنما هو الفكر الواحد الذي يسود مظاهر العلم بعيداً عن حدود الزمان والمكان، ولذلك يقال في معرض التفرقة بين العلم والفن: العلم موضوعي الفن شخصي.

ومع ذلك تمخضت نزعة الجنس الألمانية عن (الكيمياء النازية) فكانت من الأصداء المعكوسة للاستقلال العلمي، فارتكست ألمانيا في قرار غير ما كانت تريد وتأمل مع ذلك العظمات التي شيدت أركانها وشدت بنيانها.

فإذا عرفنا أن الكون في شتى صوره ليس إلا شيئين هما: الإنسان والطبيعة، استطعنا أن نقول إن الإنسان في محاولته التعرف على الطبيعة إما راغب في معرفتها كما هي عليه فذلك هو العلم، أو كما يريدها هو فذلك الفن.

وتبدو الطبيعة للإنسان في بادئ عهده بها كلاً لا يتجزأ، فما يزال يتقرب منها حتى يدور حول هذا (الكل) ليعلم تفاصيله وأجزاءه، وبذلك ينتقل من إدراك الصورة الكلية (الجشتالت) إلى العناصر والأجزاء، ويكون هذا التحطيم من عمل الفكر، وإن لم يكن له في الوجود وجود، حتى إذا تحقق كان الفكر أسبق شيء إلى توهين القوى، وتحليل الكامل.

وما دام الإنسان في تصعيده قدماً في معرفة الطبيعة يعترف على نفسه بالجهالة كلما تبين له الخطأ فيما كان يزعمه صواباً، فلا شك أن هذا الجهل الذي لا يرضاه يحفزه بطبعه إلى التعمق والتفحص والتمرس بالطبيعة حتى يحطم كيانها، ويفتت أجزاءها، ويحلل عناصرها بعد أن كانت في نظره البدائي (طاقة كلية).

وهذا هو ما يعرفه كل متتبع للتطور العلمي، والتصاعد الفكري للإنسانية في شتى

<<  <  ج:
ص:  >  >>