بغير هذا اللون من الصور الشاحبة الحزينة، كنت أود أن أصور لك عواطفي ومشاعري، وبغير هذه السطور التي تترقرق في خلالها دموع البث والشكوى، كنت أحب أن يجري بالكتابة إليك قلبي. ولكني لا أريد أن أخدعك في شأن من شئون نفسي. وما أحسبك تريدني علي أن أصنع لك كلاما عن راحة القلب وهدوء الضمير في الوقت الذي تعصف بي الأحداث فيه عصفا يزلزل كيان النفس، ويزعزع أشد الأفئدة احتراماً لقوانين الأرض، وإيماناً بعدالة السماء، لقد شغلت في مطالع الشباب وبواكر الصبى بما يشبه أن يكون استجابة حارة لرغبات القلب ونوازع الهوى، وألهتني متعة اليوم عن التفكير فيما عسى أن يطلع به الغد، وقنعت بتلك النشوة التي يملأ بها الحب شعاب القلب في عالم تتألق حواشيه بالبسمات والأحلام. وكنت لغفلتي أحسب الحياة ستظل على هذا النحو رخية لينة، وأن الحب ما دام يعمرها ويخلع عليها من مفاتنه سلاما وابتساما ونورا، فثمة ملقى العصا، وغاية الأمل، ونهاية المطاف. فلو أنني أحطت هذه الحياة الأثيرة لديَّ بسياج يكفل لها على الأيام بقاءً واطرادا لما تعثرت في أذيال هذه الخيبة الأليمة. ولما صرت إلى ما أعانيه اليوم من تعس وشقاء.
أيها القلب! لقد سعدت بالحب حلما ذهبياً سلسل في نواحيك الأمل، وأشاع في جوانبك الرجاء، ولكنك شقيت به يقظة رهيبة تكشفت لك في ضوئها عناصر الجريمة من خيانة وغدر وعبث اليم بقداسة العهد والوفاء. فهل تراك يا قلب معتبرا بما أسلفك الحب من تجاربه القاسية الأليمة، فتظل بنجوة عن الوقوع في شرك البسمات المغريات، والنظرات القاتلات، ترسلها العيون الذابلة المريضة؟ أتراك معتبراً بعد أن عرفت أن الحب إنما يصور لك الحياة روضة مسحورة تشدو بلابلها، وتَطرد جداولها، وتتأرج بالعطر الجميل أزاهرها؟ ثم. . ثم تجف الروضة وتغيض الجداول وتصمت الأطيار، وتتحطم الأماني، وتتبدد الأحلام. وإذا الدنيا مناحة قائمة. وإذا الحب الذي سعدت به تلك اللحظات الخاطفة يستحيل إلى حسرة الماضي، وفجيعة الحاضر، ولعنة المستقبل. وإذا تلك الأناشيد الداوية تحور إلى أنين خافت، وآلام دفينة خرساء. وإذن ففيم هذا التهالك العجيب على تلك الشجرة