مصر بلد الآثار الباقية والذكريات الخالدة؛ آثارها وذكرياتها ترجع إلى أقدم عصور الخليقة، وتراثها الأثري والفني منوع في عظمته، ممتد على كر العصور والمدنيات؛ ومنذ عصر الفراعنة، حيث يغيض التاريخ في ظلمات المجهول، ومنذ الحضارة المصرية اليونانية، والحضارة المصرية الرومانية، إلى الحضارة المصرية الإسلامية، تتكدس الآثار والذكريات الخالدة في أرض مصر صنوفاً متعاقباً، حتى غدا تراث مصر الأثري والفني في روعته وفي عراقته وتباين أعصره وصنوفه، أغنى وأثمن ما عرف من بقايا الحضارات الذاهبة القديمة والوسطى.
وقد كان حرياً ببلد كمصر يتمتع بمثل هذا التراث الثري الباهر إلى جانب ما يتمتع به أثناء الشتاء من طبيعة ساحرة وشمس وضاءة ودفء لذيذ، أن يغدو كعبة حقيقية للسياحة والسياح من سائر أنحاء الأرض، وأن يجعل من السياحة مورداً قومياً لا بأس به، وأن يستغل هذا المورد بوسائل وأساليب جذابة مجدية، وان يسيطر على مرافقه ونواحيه بطرق عملية شاملة، وألا يدخر وسعاً في الحرص عليه كمورد قومي ثابت، أو في السعي بتنميته بجميع الوسائل والنظم.
ولقد غدت السياحة في كثير من البلاد مورداً قومياً للكسب، وأضحت وسائل استغلاله وتنميته في بلاد كثيرة لا تتمتع بمثل تراثنا الأثري، ولا مثل جونا الساحر، صناعة حقيقية؛ لكن مصر ما زالت في المؤخرة من حيث دراسة هذه الصناعة المحدثة وفهمها والانتفاع بوسائلها. نعم أن في مصر موسماً للسياحة، وما زالت مقصد ألوف من السياح من مختلف البلاد في كل شتاء ولكن هذا الموسم لا يقوم على أسس ثابتة، بل يترك أمره للظروف والمصادفات الخارجية، وتكاد مصر تقف منه موقفاً سلبياً محضاً؛ فإذا كان الموسم حسناً مزدهراً، فأن ذلك يرجع عادة إلى ظروف خارجية لا دخل لمصر فيها، وإذا كان الموسم سيئاً مجدباً، كما هو الشأن منذ أعوام، فأن مصر لا تبذل من جانبها أية جهود عملية مجدية لاجتذاب السياح، والعمل على مقاومة العوامل والأسباب التي يمكن أن يرجع إليها مثل هذا