طريقة الاستجواب في القضاء الإنجليزي معروفة يذكرها الذين حضروا المحاكم العسكرية بمصر أو قرءوا محاضرها، وهي طريقة يذهب فيها القضاة والمستجوبون مذاهب مختلفة، فيبيح بعضهم الإطالة في الجواب، ويشترط بعضهم أن يقتصر الجواب على كلمة واحدة بالإثبات أو النفي أو الامتناع: نعم أو، لا، أو، ممتنع، ولا زيادة
ويتفق كثيراً أن يتعذر الجواب بكلمة واحدة، ويشعر المحامون بذلك فيطلبون إلى المحكمة أن تأذن لموكلهم ببعض التفصيل. وأذكر من مراجعة إحدى القضايا الهامة في إنجلترا أن المحامي اعترض على توجيه سؤال إلى موكله يتعذر الجواب عليه بكلمة النفي وحدها أو بكلمة الإثبات وحدها، وذكر للقاضي أن بعض الأسئلة لا يجاب عليه بنعم ولا بلا دون تعقيب. فسأله القاضي مثلاً فأجابه المحامي: هبني سألت حضرة القاضي المحترم: ألا تزال تضرب امرأتك؟ فبماذا يجيب؟ إن كان لم يضربها قط ثم قال:(لا) ففي هذا النفي معنى الاعتراف بالضرب فيما مضى وإنكاره الآن. وإن قال: نعم فقد خالف الحقيقة. فكيف يكون الجواب بغير بيان الحقيقة بشيء من التفصيل؟
وعندي أن هذا الجواب القاطع إذا تعذر في الوقائع مرة فهو متعذر في الآراء والمعاني مرات. إذ يندر في الآراء والمعاني ذلك الفصل الجازم بين النفي والإثبات. وتكثر فيها المواضع التي تحتمل الجواب بنعم في بعض الأحيان وبلا في أحيان أخرى
ولكني سئلت منذ أيام جملة أسئلة يتقيد فيها الجواب بكلمة واحدة، ومنها: هل يصبح العالم بعد الحرب أسعد مما كان قبلها؟
فقلت: نعم. لأنه أصدق جواب في كلمة واحدة، لا لأنه أصدق جواب على الإطلاق
أما الجواب الأصدق الأوفى فهو مزيج من القولين يتراوح فيه الإثبات والنفي تارة إلى الزيادة وتارة إلى النقصان في أكثر من مكان
فالذي أعتقده أن العالم سيتقدم بعد الحرب في سبيل الحرية، وأن الحرية نعمة وتبعة في وقت واحد. فمن حيث هي نعمة فهي ولا ريب سعادة ينعم بها الإنسان؛ ومن حيث هي تبعة فهي ولا ريب باب للهموم والشواغل وقرينة للعناء الذي يغض من سعادة السعداء