كان الحب في القرن السابع عشر، قرين البطولة وخدين الشرف؛ فكان إذا هام فؤاد الفارس بمن أحب، ولذعه الشوق ودلهه الحب، عمد إلى البطولة يجعلها ثمناً لحبه ووسيلة إلى هواه؛ فإذا أوتي العزم الشديد والقلب الحديد، ونال طيب الأحدوثة وبراعة الفروسية وشرف النقيبة، وكان فحلاً لا يقرع أنفه ولا يطعن عليه، متع بالحب، وذاق مودة الحبيب
ولأميرة دكليف تمثل ما ذكرته وتبين ما وصفته. ولعل من الخير، قبل أن نقصها عليك، أن نتحدث عن مؤلفتها مدام دلافاييت لأن في حياتها من الطرافة، ما في روايتها من الجمال. والحق أنها كانت من نوادر النساء. تلقت في يفاعتها وصباها أرفع ثقافة يمكن أن تتلقى في ذلك الزمان، فتخرجت على الشاعر المشهور ميناج فثقفها وأدبها. سرعان ما ظهرت رهافة ذوقها، ورصانة عقلها ورشاقة كتابتها، وتخطت العشرين ولما تتزوج فاضطرت أن تبحث عن زوج لها فصادفت يوماً الكونت دلافاييت، وكان كريم المحتد، طيب العرق، ضئيل العقل، فتزوج بها وحملها إلى مزارعه في الضواحي، يبتغي معها عيشاً يقطعه بالنعيم. ولم يستطع أن يستهويها فلم ترض عنه، فهجرته وقصدت إلى باريس، وهناك صادقت هنرييت دانجلترة ' فأحبتها، فكانت تغشى بلاط لويس الرابع عشر وتقطع الأيام والليالي معها، حتى إذا قضت هذه، حزنت عليها، وجفت البلاط وأهله، واعتزلت الناس.
وذاع في باريس صيت مدام دلافاييت، وعرفت بذكائها وفطنتها. ولم تلبث أن أصبحت مهوى الأنفس، وبغية الشعراء والكتاب، أشباه (هويه و (ميناج و (لافونتين ولكنها كانت عزوفاً عن كل ضجة، أنوفاً من الظهور. كانت تحلم بالحب، وتعجب بالبطولة وكانت تحب الهدوء والسكينة، تستلقي على سريرها الأرجواني الموشي، فيتحلق أصدقاؤها