سرنا إلى جامع البوصيري وهو من أجمل المساجد وأحبها إلى نفسي لا يمل زائره الجلوس فيه يقلب الطرف في جوانبه ويرى البردة منقوشة على أربعة جدرانه في إطار واحد، ويرى بين الحين والحين زرقة البحر والسماء فيطلق فكره من المعبد الصغير إلى المعبد الأكبر بين لجة المار ولوح الجو.
ذكرنا هناك المحدث الأديب الشاعر شرف الدين محمد بن سعيد البوصيري صاحب البردة والهمزية القصيدتين المباركتين اللتين خلدتا صاحبهما وخلدتا في صفحات الدهر ونالتا من الحفظ والإنشاد والكتابة والنقش والتذهيب والتحلية ما لم ينله شعر آخر في الجاهلية والإسلام.
وجلسنا في الإيوان المشرف على الصحن جلسة خفيفة أنشدنا فيها الشيخ الخالدي هذه الأبيات:
أما المحبة فهي بذْل نفوس ... فتنعّمي يا مهجتي بالبوس
بذل المحبّ لمن أحبّ دموعه ... وطوى حشاه على أحر رسيس
شرفاً لشاذلة ومرسية سرتْ ... لهما الرياسة من أجلّ رئيس
ما إن نسبت إليهم شيخيهما ... إلا جلوتهما جلاء عروس
وليست هذه الأبيات غريبة في مسجد البوصيري، وإن لم يذكر فيها، فهو تلميذ أبي العباس المرسي. وأبو العباس تلميذ الشاذلي.
وأبو الحسن الشاذلي هو الشريف تقي الدين علي بن عبد الله بن عبد الجبار شيخ الطريقة الشاذلية. كان عالماً واسع العلم وبلغ الدرجات العالية في التصوف وتوفى بصحراء عيذاب متوجهاً إلى مكة في ذي القعدة سنة ٦٥٦ ونسبته إلى شاذلة إحدى قرى تونس.
وأردنا أن نزور قبر الشاطبي الذي ينسب إليه حي الشاطبي في رمل الإسكندرية فقيل لنا إن قبره قد اشتملت عليه العمارة الشامخة التي شادتها جمعية العروة الوثقى هناك.
وهذا الشاطبي غير صاحب الشاطبية، ولكنه من رجال القراءات كذلك ذكره السيوطي في