للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حب العرب في مناجم الذهب]

للعلامة الشيخ عبد القادر المغربي. عضو مجمع اللغة العربية الملكي

(دَرَى) الصيد يدريه إذا توارى عنه وما زال به حتى أمسكه. فدَرَى هذه بمعنى خَتَل. ولها أخت مشهورة بيننا: وهي (دَرَى المسألة) بمعنى علِمها وأدركها. وبعضهم جعل (دَرَى) هذه من بابة (دَرَى) الصيد، فاشترط في دراية المسألة الوصول اليها بضربٍ من الحيلة.

ولم لا أقول في (أدرك) كما قالوه في (دَرَى)؟ فيكون إدراك المسألة وتعقلها بعد سعيٍ وجهد. كما أن إدراك الصيد واعتقاله بعد جريٍ وجهد.

ولا تقل أيها القارئ أن (دَرَى) بمعنى (خَتَل) لا عهد لنا بها. بلى! فإننا نستعمل حتى في لغتنا تخاطبنا أختاً لها: وهي كلمة (دَارى) من (المفاعلة) ونريد بها أن يُلين الشخص القولَ لآخر، ويسارع إلى هواه، ويتجنب سخطه، فنستعملها بمعنى المجاملة، وإن كان اشتقاقها في الأصل يدل على معنى الخديعة والختل.

اما شاهد (دَرَى) الصيد بمعنى ختله فهو قول الشاعر:

فإن كنتُ لا أدري الظباء فأنني ... أدُّس لها تحت التراب الدواهيا

فالشاعر يريد بقوله (أدري الظباء) أنه يختلها ختلاً إذا أراد اصطيادها، حتى إذا عجز عن ختلها وإمساكها باليد، فانه يصيدها بالفخاخ والحبائل يدسّها لها تحت التراب. فالدواهي إنما أراد بها هذه الفخاخ؛ كما أن المراد بالظباء ظباء الوحش. ويبعد أن يكون أراد بها ظباء الأنس: أعني الحسان من النساء بدليل الرواية الأخرى وهي (أدسُّ لها تحت العِضاه المكاويا) و (العِضاه) شجر عظام في البادية، تأوي اليها الظباء عند اشتداد الهجير فتقيل تحتها، وتعطُو إلى أوراقها و (المكاويا) جمع مكواة: آلة الكي المعروفة، وأراد بها هنا الفخاخ نفسها.

ولكلمتي (دَرَى) و (دارى) أختان هما (ادَّرى) الصيد من الافتعال. و (تَدَرَّى) الصيد من (التفّعل) وكلتاهما بمعنى (خَتَل) أيضاً.

أما شاهد (ادَّرى) بتشديد الدال، فبيتٌ من الشعر كلنا ينشده هكذا:

وماذا يبتغي الشعراء مني ... وقد جاوزتُ حدَّ الأربعين

وهو لسُحَيْم بن وثيل الرياحي. وصواب الرواية:

<<  <  ج:
ص:  >  >>