لندع الديمقراطية السياسية، فلها نظرياتها ولها رجالها، ولها نزاعها الحار بين دعاتها وأعدائها.
ولنتكلم في الديمقراطية الاجتماعية وأعدائها - فاكبر مظاهر الديمقراطية الاجتماعية الاشتراك في مرافق الحياة من غير أن تتميز طبقة من طبقة، فإذا رأيت في القطار درجة أولى وثانية وثالثة فهذا مظهر أرستقراطي، وإذا رأيت ذلك في عربات الترام والسيارات العامة والسينما والتمثيل فهذا مظهر من مظاهر الأرستقراطية، وإذا رأيت أحياء يعنى فيها بالكنس والرش والنور وأحياء لا يعنى فيها هذه العناية. فهذا مظهر من مظاهر الأرستقراطية، وإذا رأيت في المآتم والأفراح كراسي ضخمة مذهبة، وأخرى عادية ساذجة، وقوما يستقبلهم آل الميت وال العرس بالحفاوة فيجلسونهم في الصدر، وآخرين يستقبلون في غير حفاوة فيجلسون في الذيل فهذا أيضاً مظهر من مظاهر الأرستقراطية - وإذا رأيت في قاعات المحاضرات أماكن حجزت لكبار المدعوين، وأخرى حقاً مشاعاً للدهماء. فهذا كذلك مظهر من مظاهر الأرستقراطية وإذا رأيت الحجاب على الأبواب يفتحونها لمن نزل من سيارة، ويغلقونها في وجه ذي الجلباب الأزرق. فذلك نوع من الأرستقراطية. وإذا رأيت مقهى إفرنجيا فيه فنجان القهوة بخمسة قروش أو تزيد. ومقهى بلديا فيه فنجان القهوة بخمسة مليمات أو تنقص، فهذا مظهر من مظاهر الأرستقراطية، ولا استرسل في ذلك، فلعلك - يا صاحبي - فهمت مظاهر الأرستقراطية والديمقراطية، وعلمت انك في كل خطوة تخطوها ترى هذه المظاهر في أشكالها المختلفة، وألوانها المتعددة.
وهناك دعاة يدعون إلى هذه الديمقراطية الاجتماعية، كما أن هناك دعاة يدعون إلى الديمقراطية السياسية، ولهم على ذلك حجج وبراهين.
ولكن لعل أعدى أعدا الديمقراطية واهم طعنة توجه إلى دعاتها، وأقوى حجة يتسلح بها دعاة الأرستقراطية شئ واحد هو (الوساخة) أو (القذارة) أو ما شئت فسمه. فاكثر تصرفات الأرستقراطيين وأشباههم، عذرهم فيها طلب النظافة والترفع عن الوساخة.