ربَّ! إلى أين نحن سائرون؟ وما هذه العواصف التي تعصف بنا من كل صوب؟ وما هذا الفيض المنهمر الذي ترمينا به المطابع في هذه الأيام؟ أبلغنا حد الترف العقلي والعمراني، وأخذنا نصيبنا كاملاً من ضروريات الحياة، والغذاء الصحيح للعقول، ومقومات الأخلاق والشخصية، ولم يبق أمامنا إلا أن نعكف على مخلفات الحضارة الأوربية نلتقط منها الغث والسمين، والنافع والضار، والجميل والدميم، وما يلائمنا وما لا نستسيغه، وما لا يوافق طباعنا وعاداتنا وجوهر شخصيتنا؟
أهو اتجار بعقلية الجماهير، واستغلال لرغبتها الملحة في القراءة، وحمى من حميات كسب المال التي ملكت على بعض الناس عقولهم وألبابهم في هذه الأيام العصيبة؟ أم هو افتتان بما أوقع أوربا في التهلكة، وفكك فيها الأسرة والشعب، وطوح بالأخلاق والفضيلة والإيمان، وجعلها تنبذ المثل العليا، ولا ترى إلا المادة المزرية هدفاً يذلف إليه ويتناحر الناس في سبيل الوصول إليه حتى أرداهم حرصهم عليه في ذلك الأتون المستعر الذي كاد بالطارف والتليد؟
وإلا فما هذا القصص الخليع الذي يثير الشهوة ويقتل الحياء، ويلطم وجه الفضيلة والشرف، ويوحي بالإجرام والفسق؟ وما هذا الأدب الموبوء الذي يزلزل العقيدة ويخدش العفاف؟ إنه ورد آسنٌ وغذاء عفنٌ وايم الحق، وأحرى به أن يصادر، ويؤاخذ المتجرون به أخذاً عنيفاً على ما أجرموا في سبيل أمتهم الشادية في العلم والحضارة! إنهم يريدون مسخها وتشويهها حتى تتناسى ماضيها، وتفقد ما كمن فيها من عزة وأنفة، وتنسى أن لها ديناً يعصمها من الزلل والعثار، وتاريخاً يزخر بالبطولة والمثل العليا، وأدباً هو وحي الفطر السليمة
ولقد أعدت الحمى كثيرين فأخذوا يقلدون هذه السلع الدخيلة من غير وعي، ويصورون أسوأ ما في مجتمعاتنا مرة باسم (الأدب الواقعي) وتارة باسم (الأدب الحر)، وأخرى باسم (الفن للفن). . . إلى غير ذلك من هذه العلامات التي رأوها ملصقة على الآداب الواردة