للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[قضية المرأة!]

للأستاذ زكريا إبراهيم

قضية المرأة قضية قديمة قدم العقل الإنساني نفسه، فإن الإنسان منذ خلق ولوع بالتمييز والمفاضلة، حريص على تعرف أوجه الخلاف والمماثلة، وقد وجد الإنسان موضعاً للتفرقة بين المرأة والرجل، فخلق لنفسه من ذلك مشكلة، وكان الرجل هو المسيطر، فتلبست المشكلة بالمرأة، ومن ثم نشأت تلك القضية الصعبة، (قضية المرأة) لا الرجل!

وعلى الرغم من كثرة المناقشات التي أثيرت حول المفاضلة بين الرجل والمرأة، أو المساواة بينهما، فإن قضية المرأة لا تزال مستعصية على الحل، لأن وضع المشكلة نفسه ليس بالوضع الصحيح. والواقع أن كل تلك المناقشات العقيمة، لا يمكن أن يترتب عليها إلا أن تزيد المشكلة تعقداً وتشابكاً، لأن من شأنها أن توقف المرأة وجهاً لوجه أمام الرجل، تناضله وتذود عن نفسها، كأنما هي بازاء خصم عنيد جائر!

ولكن الأمر ليس من هذا في كثير أو قليل، فإن الصلة التي تربط بين الجنسين، ليس صلة (تفضيل)، وإنما هي صلة (تكميل) فكل مفاضلة بين الرجل والمرأة هي عبث لا طائل تحته، لأن المجال الذي يعمل فيه كل منهما يختلف عن المجال الذي يعمل فيه الآخر. ولما كان الزواج هو الوحدة التي تجمع بين الجنسين، فإن النقص الذي يوجد لدى المرأة يستحيل إلى كمال إذا اقترنت بالرجل، والنقص الذي يوجد لدى الرجل يستحيل إلى كمال أيضاً إذا اقترن بالمرأة، فيذهب نقصها في كماله، ويذهب نقصه في كمالها، ويخرج من ذلك الإنسان الكامل! وقد أراد القديس أوغسطينوس أن يعبر عن فكرة تضافر الجنسين فقال: (لو أراد الله أن تكون المرأة حاكمة على الرجل لخلقها من رأس آدم؛ ولو أراد لها أن تكون أسيرة له، لخلقها من رجله؛ ولكنه خلقها من ضلعه، لأنه أراد أن يجعل منها شريكة للرجل، مساوية له)

بيد أن هذا لا يعني أن المرأة والرجل على حد سوى، وإنما هو يعني أنه ليس ثمة وجه للمفاضلة بين الاثنين. فإذا استثنينا ما يرجع إلى الجنس، قلنا أن الرجل والمرأة سواء. وكل ما بين الرجل والمرأة من فرق في الناحية الجنسية، فذلك لضرورة تحتمها الوظيفة التي ينهض بها كل في المجال الذي اختصته الطبيعة به. وهذه الضرورة قد جعلت المرأة

<<  <  ج:
ص:  >  >>