بهذا العدد تدخل الرسالة في سنتها الحادية والعشرين فتدخل هي ومصر في عهد بادئ كله رجاء، بعد أن خرجت هي ومصر من عهد بائد كله شكوى.
كانت مصر في العام الماضي قد دب في حسها الوعي من طول ما وخزتها الأقلام وأرمضتها الآلام وقرعتها القوارع؛ فأدركت أن فوق عرشها ملكاً خليعاً جعل نصفه البهيمي للزنى والميسر والدعارة، ونصفه الآدمي للربا والنهب والتجارة؛ وأن على حكمها عصابة من مصاصي الدماء غايتهم السلطان والغنى، ووسيلتهم الطغيان والفساد؛ وإن على أرضها عدواً ثقيلاً جثم على صدرها جثوم المقطم لا يخف ولا يتحلحل، يحتل مأواه بالقوة، ويأخذ قراه بالسيف، ويبسط ولايته على المضيف بالقهر، ويفرض حمايته على القنال بالقحة؛ فثأر ثائر الشباب الجامعيين على الملك وبطانته فلطخوهم جهراً بالعار؛ وهاج هائج الأحرار المطهرين على الحكام فوصموهم صراحة بالخزي؛ وجاشت صدور الأخوان المسلمين على الإنجليز فآذنوهم فعلاً بالحرب!
وكانت خيانة الأوغاد للجيش الباسل في الحرب الفلسطينية قد فعلت فعلها في نفوس قواده، فتقصصوا أثرها حتى وجدوا أقدامها القذرة تنسل من قصر عابدين، وتطوف سراً على أهلها في دواوين الوزارة وأواوين الإمارة ومواخير الفسق؛ ثم تمضي مقنعة بالجاه، محروسة بالنفوذ، محاطة بالتلصص، حتى تدخل على القوات المحاربة الغالبة بالهدنة الغادرة والأسلحة الفاسدة والأوامر الخادعة؛ فغلت صدور الضباط الشباب من الحمية والحفيظة، فأخذوا ذلك الملك الماجن من قفاه الغليظ وألقوه في البحر؛ وقبضوا على حاشيته الفاجرة وطرحوهم في السجن، ولببوا الساسة المريبين وحجزوهم في المعتقل، وركلوا الموظفين المجرمين ورموهم في الشارع!
ثم فتحوا أبواب الصلاح والإصلاح على عهد جديد مشرق النور خالص الطهر صادق العزيمة، يرجون فيه ونرجو أن يقروا حياة مصر على الوضع الصحيح، وأن يقيموا سياستها على النهج الواضح، وأن يرفعوا بنيها إلى مقام الإنسان الحر المريد، فيملكوا باسمه وينزلوا على حكمه، ويعيدوا أرض آبائه إليه، ويردوا غلة أرضه عليه، ويشعر بأن له قولاً يُسمع ورأياً يُطاع وحُكماً ينفذ.
والرسالة تدخل في هذا العهد المبارك مع الداخلين، بعد أن مهدت له عشرين سنة مع