للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مشروع مكافحة الأمية على ضوء علم الاجتماع]

للأستاذ فؤاد عوض واصف

في العدد ٥٨٦ من (الرسالة) الغراء كتب الدكتور محمد مندور مقالا تحت عنوان (مكافحة الشكلية)، أراد فيه أن يرد على بحث لنا في مشروع مكافحة الأمية درسناه من وجهة النظر العلمية البحتة، ونشرته جريدة المقطم في العدد ١٧٢٥٤ ولم أشأ يومها أن أتولى الرد بنفسي على ما كتب الدكتور مندور مكتفيا في ذلك بما كتبه زملاء أفاضل، هذا فضلا عن حرصي الشديد على أن لا يخرج الموضوع من مجاله العلمي إلى المجال السياسي. ولئن كان مشروع مكافحة الأمية كما وضعته وزارة الشئون الاجتماعية، قد حظي بموافقة الغالبية الكبرى من الكتاب، فإن معارضتنا له لم تخرج عن كونها دراسة علمية منزهة للمشروع، كما ذكرت جريدة الجورنال ديجيبت في عددها الصادر بتأريخ ١٧ سبتمبر سنة ١٩٤٤ بعنوان (مكافحة الامية، هل تأتي بثمارها؟).

ولقد طلب إلى الكثيرون، وقد توليت بمفردي معارضة مشروع مكافحة الأمية بصورته الحالية، أن أعود إلى الكتابة في هذا الموضوع الخطير، ولا سيما وأن الاهتمام به ألان كبير.

يتلخص ما ذهبت إليه في بحثي، في هذا السؤال (هل التعليم سبيل إلى الحضارة، أم أن الحضارة سبيل إلى التعليم؟).

هل المدرسة هي التي تتقدم بالمجتمع وتلبسه ثوب الحضارة الحديثة، أم أن المدرسة ظاهرة من ظواهر الحضارة، ووسيلة مبتدعة من وسائلها تتأصل بواسطتها جذورها وتمتد فروعها؟

إن دراسة التاريخ، وهو معمل علم الاجتماع، تدلنا على أن المدرسة في تاريخ الحضارات تأتي متأخرة بعد أن تكون الأذهان قد تهيأت لها، وبعد أن تكون الشعوب قد نالت من المدنية حظا؛ لم تكن المدرسة في يوم من الأيام وسيلة من وسائل التطور الحضاري في شعب متأخر، ولم يكن قبس العلم في عصر من العصور نورا هاديا لشعب لم ينل حظا من الحضارة والمدنية. وهذه فرنسا أم المدنيات كما يقال في العصر الحديث، هل كان مونتسكيو وفولتير جان جاك روسو هم الذين خلقوا الثورة الفرنسية - ثورة الحضارة

<<  <  ج:
ص:  >  >>