للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من وحي المأساة الفلسطينية:]

نكبة العرب في الأندلس

للأستاذ محمود عزت عرفة

انقضى أربعمائة وأربع وخمسين سنة على حادث سقوط حصن غرناطة آخر معاقل العرب بالأندلس في أيدي الأسبانيين، وقد تم ذلك سنة ١٤٩٢م؛ فكان خليقاً بنا ومأساة فلسطين تمثل أن نعالج بإيجاز أسباب تلك المأساة الفاجعة، ونتلمس عللها بين حوادث التاريخ، ونقف عندها وقفة نخرج منها بعبر وعظات نافعات، هي الغاية العليا من كل دراسة والمقصد الأسمى من كل تحقيق وتحميص.

ولسنا نبالغ إذا قلنا إن جحافل العرب حملت معها من أول يوم وطئت فيه أرض الأندلس جرثومة هذا الداء الذي أهلكنها واستصفى قوادها، وأدال دولتها بعد ثمانية قرون من الزمان. فقد اجتاح موسى بن نصير أرض الأندلس عام ٧١١م حتى بلغ أطرافها الشمالية؛ وعهد إلى قائده طارق بفتح مدائن (جيليقية) في الشمال الغربي، بينما اجتاز هو جبال البرانس الشامخ وانحدر إلى سهول فرنسا، معتزماً أن يدلف إلى القسطنطينية من طريق الغرب!!

حلم كان حرياً أن يتحقق لو لم يستيقظ موسى من نشوته على دعوة الوليد بن عبد الملك الذي أهاب به أن يكف عن إيغاله في الغزو وينكفئ بعسكره معافى إلى أسبانيا. . . وما كان له إلا أن بسمع فيطيع. على أنه انصرف وقتذاك إلى المسيحيين المعتصمين بأقصى الشمال الغربي من شبه الجزيرة تحت إمرة زعيمهم (بلايو)؛ وكان بسبيل أن يقلم أظافرهم وبقى البلاد شر مكايدهم وفتنهم التي ذر قرنها بعد حين؛ لولا أن هتف به داعي الخليفة مرة أخرى أن يؤوب إليه وطارقا؛ فتركا زمام الأمور في يد عبد العزيز بن موسى وسارا إلى المشرق.

وقد نكب موسى بعد قليل على يد سليمان بن عبد الملك، واغتيل ابنه عبد العزيز في شوارع إشبيلية بتدبير منه، ولم يكن مصير طارق بأفضل من هذا. فقدت الأندلس بموت أولئك كل من كان يفكر في إتمام الفتح على خير وجوهه، وأتيحت لفلول المنهزمين فرصة الحياة بعد أن أشفوا على الدمار، وتهيأ لهم أن يجمعوا كيدهم وينتظمواً صفوفاً حتى أبح

<<  <  ج:
ص:  >  >>