للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مفاوضات الفتح العربي لمصر]

للأستاذ السيد يعقوب بكر

(تتمة)

(ج) مفاوضة ثالثة

يحكى لنا الواقدي (ص٢٥ - ٢٨) أن أرمنوسة ابنة المقوقس كانت في طريقها إلى قيسارية لتزف إلى فلسطين (يقصد قسطنطين) بن هرقل، فلما علمت أن قيسارية قد حاصرها العرب، عادت إلى مصر بما كان معها من الخدم والمال، فما وصلت إلى بلبيس، حتى جاءتها جيوش عمرو وحاصرتها. ثم يقول الواقدي: إن العرب اقتحموا المدينة وأسروا أرمانوسة، ولكن عمراً إلى أبيها المقوقس، اعترافاً منه بحسن صنيعه (أي صنيع المقوقس)، حين أتته منذ سنين عدة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، يحملها إليه حاطب بن أبي بلتعة. أرسل عمرو أرمانوسه إلى أبيها مع قيس ابن سعد، فيصل هذا ويدور بينه وبين أبيها حديث طويل يسجله لنا الواقدي (ص٢٨ - ٢٩). ونحن يعنينا هنا الجزء الأخير من هذا الحديث (ص٢٩): (فقال المقوقس لقيس ابن سعد: يا أخا العرب، أرجع إلى أصحابك وأخبرهم بما سمعت وبما رأيت، وانظر فيما يستقر عندكم وبينكم؛ فقال قيس: أيها الملك، لابد لنا منكم، ولا ينجيكم منا إلا الإسلام أو أداء الجزية أو القتال. فقال المقوقس: أنا أعرض ذلك عليهم، وأعلم أنهم لا يجيبون، لأن قلوبهم قاسية من أكل الحرام)

فهل نعد ذلك الحديث مفاوضة؟ لا شك في ذلك. ولكننا نعتقد اعتقاداً جازماً أن هذه المفاوضة لم تكن، وذلك لسببين: الأول أن قصة أرمانوسه نفسها موضوعة؛ فالأستاذ بتلر يقول فيها (ت٣ ص١٩١): ولا حاجة بي إلى إضاعة الوقت في تفنيد هذه القصة، فإن مجرد العلم بأن المقوقس كان بطريق الإسكندرية كاف لدحضها. . . ويجدر بنا هنا أن نذكر أن أبا صالح قال: إن (أرمنوسه) هي الاسم المصري القديم لمدينة أرمنت (ص٢٧٩). وقد ذكر ابن عبد الحكم بغير دقة أنها امرأة المقوقس، وذكر كرماً كان لها أغرقته فصارت منه بحيرة مريوط. وإنه مما يؤسف له أن هذه القصص التي يمليها خيال ألف ليلة وليلة مما يجب علينا إبعاده من التاريخ)؛ والثاني أن المقوقس لم يكن هو الذي

<<  <  ج:
ص:  >  >>