إن تعاليم الديانة الهندوكية تسلم بوحدة الكون، وتفرض على كل هندوكي أن يعمل على إدراك هذه الحقيقة بحيوية حتى يؤمن بها عن صدق شعور. ولذلك كانت أسمى غايات الديانة الهندوكية أن يجد كل هندوكي في تحرير روحه من نواقص الحياة، وتنقية نفسه من شوائب الشهوة، وتطهير عقله من أدران الكفر، وتخليص أفعاله من دناءة الشر، حتى يتسنى له أن يظهر الله الكامن في قرار النفس، ويحس بوحدة الكون الشاملة، فيرتقي إلى أعلى درجات الكمال الروحي ويحقق ذاته.
وتختلف المذاهب الهندوكية القديمة في نوع الطريق التي تحقق الذات، فمنها من يرى أن مجرد حفظ القيدا وإتقان تلاوتها، وأداء الشعائر الدينية يكفل الوصول إلى الكمال الروحي، بينما لا يكتفي مذهب آخر بالأخذ بظاهر الفيدا، ويطلب التعمق في نصوصها، إذ هذا التعمق يساعد على معرفة حقيقة اتحاد الله بالنفس، ويقود إلى تحقيق الذات. ويرى مذهب ثالث الكمال الروحي في التمييز بين الروح والجسد، وإدراك أن مطالب الروح مطالب حقيقية، وأنبل وأرفع من مطالب الجسد الخادعة، ثم تغليب سيادة الروح على الجسد. ولا يعترف مذهب رابع إلا بالطرق العملية، فلا يتخذ إلا المجاهدات من تعذيب النفس وإيلام الجسم وسائل لتحرير الروح من الرغبات والشهوات. ويعتقد مذهب خامس أن تحقيق الذات يكون عن طريق تفسير مظاهر الكون وأحداث الطبيعة ومعرفة العلاقة التي تربطها بالله. ويعتبر مذهب أخيرا التأمل في الوجود وإدراك وحدته هي الغاية القصوى التي يجب أن يقصدها كل فرد.
إن كل هذه المذاهب بوسائلها المختلفة لتحقيق الذات تدلنا على أن الديانة الهندوكية تسمح لكل هندوكي أن يبرز الله الكامن في نفسه بالطريقة التي تتفق مع ميوله سواء أكانت دينية خالصة أم أخلاقية تهذيبية أو عقلية تأملية. ولقد بعث طاغور هذه الطرق في صورة تلائم الحياة العصرية، وتجعل تحقيق الذات متاحاً لكل فرد عن طريق العمل أو المهنة أو الفن الذي يزاوله. كما جعل من العلم والفن والعمل - وهي الأسس التي نهضت بالمدينة الحديثة - الطرق الحية التي تتولى تحقيق الذات. ويمكن أن تلخص طرق تحقيق الذات عند