ما دام الفن هو التعبير عن الإحساس، وما دامت الزعامة هي التعبير عن إحساس الجمهور، فالزعامة إذن فن، بل إنها فن عريض.
فكيف كانت الزعامة تعبيراً عن إحساس الجمهور؟
إذا نظرنا إلى المجتمعات البدائية رأينا هذه المجتمعات تحس الخوف من الطبيعة؛ فهي تستعد للحرب في كل لحظة، وهي إما أن تعد لهذه الحرب سلاحاً، وإما أن تعتمد فيها على القوة البدنية وحدها. ولكنها على أي حال من الحالين تأخذ أهبتها المادية لتقاوم بها أحداث الحياة. فإذا نظرنا إلى الزعماء في هذه البيئات رأيناهم أشد الناس تعبيراً عن هذا الإحساس المركب الذي يبدأ بالخوف وينتهي بيقظة القوة البدنية. فهم أشد الذين في هذه المجتمعات حذراً على أنفسهم وعلى مجتمعاتهم، وهم أشدهم انتباهاً للخطر إذا ادلهم، وهم أشدهم مقاومة لهذا الخطر، وهم أشدهم قدرة على قهره، وهم إلى هذا أشد الذين في هذه المجتمعات استكمالاً لمميزاتها الملحوظة فيها حتى لا يكون الزعيم منهم عرضة لهجوم عاص من شعبه قادر على وخزه في إحدى نواحيه الضعيفة فيه بينما يكره الواحد من جمهوره أن تكون ضعيفة فيه. فإذا كان من مميزات جمهور أحدهم السرعة في الجري إلى جانب ما يهتم به الجمهور من تنمية القوة البدنية وجب على الزعيم أن يكون سريع الجري إلى جانب الذي امتاز به على الجمهور من قوته البدنية، وإذا كان من مميزات جمهور أحدهم الخفة في تسلق الأشجار، وجب على الزعيم أن يكون خفيفاً في تسلق الأشجار إلى جانب الذي امتاز به على الجمهور من قوته البدنية. وهكذا.
فإذا تركنا البيئات البدائية رأينا نظرتنا هذه تصدق في كل الحالات: في البيئات الزراعية، وفي البيئات الصناعية، وفي البيئات الاجتماعية المختلفة، وبقدر ما تتسع هذه البيئات