وكان يضحك كلما جاء النبأ بأن بعض أعوانه يقول عنه إنه مخبول، كان في كل حجرة من هذا البيت وفي كل مكان، ولكنك دائماً مستطيع معرفة مكانه وحصره في الناحية التي هو فيها وذلك من صوته الذي لا يفتأ يتردد ينادي في الردهات:(يا قدريت. . . يا قدريت! أين سجائري. . . هات مائي المعدني. . .!)
- ٥ -
وخاب أمر الأصباغ خيبة كبرى، وجرى الحديث تمتمه بين الكيميائيين أن إرليش رجل غبي لا يفهم، ولكن يجب أن تذكر دائماً أن إرليش كان يقرأ الكتب، فذات يوم كان جالساً في مكتبه على كرسي خلا مصادفة من الكتب التي تراكمت عليه وعلى غيره. وكان يقرأ في المجلات الكيمياوية كبعض قدماء الحكماء يبحثون عن حجر الفلاسفة، فإذا به يقع على عقار من أخبث العقاقير. وكان اسمه أتكسيل ومعناه غير السام، وكان هذا العقار شفى الفئران من مرض النوم، أو كاد؛ وكان قتل فيراناً ليس بها مرض النوم؛ وكان قد جرب في بعض أهل السواد في أفريقا عسى أن يشفيهم من مرض النوم فلم يشفهم، بل أصاب عدداً وفيراً منهم بالعمى فتم عماهم قبل أن يدركهم الموت من دائهم. فهذا عقار مروع لو أن مركبه كان حياً لأختزى منها وأستبرأ. وكان تركيبه من حلقة بنزين، وهي مكونة من ست ذرات من الكربون قامت في حلقة كالخاتم كأنما يطارد بعضها بعضاً في دائرة كالكلب يدور حول نفسه يريد أن يعض ذيله؛ ويتركب عدا ذلك من أربع ذرات من الأدروجين، وشيء من النشادر، وبعض أكسيد الزرنيخ، وهذا الأخير يعلم الناس أنه سم زعاف.
قال إرليش:(علينا أن نغير من تركيب هذا العقار قليلاً) قال هذا وهو يعلم أن الكيميائيين