للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[البداوة في طباع أبي الطيب]

للدكتور عبد الوهاب عزام

في خلق أبي الطيب قوة وخشونة تميلان به إلى كل قوي وكل خشن، وتعدلان عن كل ضعيف وكل ليّن؛ وفي خلقه صراحة تحبب إليه كل صريح من القول والفعل والمرأى، وتنفره عن كل مموّه مزخرف.

وقد لاءمت هذه الأخلاق التندّي، وزادها التبدي تمكناً فيه، وظهر أثر هذا في فعله وقوله.

وسأمرّ بسيرة أبي الطيب سريعاً منبّهاً إلى الحادثات والأقوال الدالة على حبه البداوة، والمبينة عن تمكن البداوة في طبعه، وأثرها في نفسه:

- ١ -

عاش الشاعر في البادية حقبة وهو صبي. روى الخطيب البغدادي عن محمد بن يحيى العلوي الكوفي أن أبا الطيب صحب الأعراب في البادية سنين ثم رجع إلى الكوفة بدوياً قحّاً.

وعاش في الشام بين البدو والحضر. وبعض من وحيه هناك من رؤساء البادية مثل سعيد بن عبد الله الكلابي، وشجاع بن محمد الطائي.

وهو يقول في الشام:

أوانا في بيوت البدو رحلي ... وآونة على قتد البعير

أعرّض للرماح الصمّ نحري ... وأنصب حرّ وجهي للهجير

وأسري في ظلام الليل وحدي ... كأني منه في قمر منير

ويقول:

ومُّدقعين بسُبروت صحبتهم ... عارين من حلل كاسين من درن

خرابّ بادية عْرثى بطونهم ... مَكن الضباب لهم زاد بلا ثمن

يستخبرون فلا أعطيهم خبري ... وما يطيش لهم سهم من الظنن

- ٢ -

وفي مصر حنّ إلى البادية، وفضّل البداوة على الحضارة، وتغزل بالبدويات في القصيدة

<<  <  ج:
ص:  >  >>