هجرتك - يا رسول الله - ملحمة قدسية نفخ الله فيها من روحه وصور فيها بطولتك ورضيها للمؤمنين لحناً على قيثارة الذكرى. . .
هجرتك - يا نبي الله - ملحمة واقعية لم ينسجها الخيال، بل سجدت لحوادثها القرون والأجيال. . .
هجرتك - يا خاتم الأنبياء - ملحمة خالدة في أعماق القلوب تراها بصيرة المؤمن كلما استشفت حجاب التاريخ أبرز حادثة من حوادث الدهر!
ولقد افتتح الله ملحمة هجرتك بالاضطهاد والعذاب، واختتمها بالفتح والنصر: وبين الفاتحة والخاتمة سلسلة من صور بطولتك ومواطن شجاعتك، ومشاهد نضالك وجهادك، وثل صبرك وأناتك.
ولا غرو. . . فإنك - يا سيد الخلق - المثل الأعلى للشدة في الحق، صدعت به لا تخاف لومة لائم، ولا تضيق بتهكم ساخر، ولا تتألم من عدوان سفيه، بل كنت تجد فيما يحسبه الناس ألماً متعة سامية. . . وما أندر النفوس التي تستشعر مثلك لذة الآلام!
حتى في ذلك اليوم الذي لذت فيه بحائط من حوائط ثقيف وأويت إلى الظل تشكو إلى ربك ضعف قوتك، وقلة حيلتك، وهوانك على الناس، لم تنس أن تناجي مولاك الرحيم بتلك الكلمات التي أترعت قلبك بحلاوة الإيمان حين قلت في ختام ندائك الخفي:(إن لم يك بك علي غضب فلا أبالي).
بلى يا رسول الله كنت سعيداً بآلامك الفوادح، لا تبالي ما دام الله معك يهديك، ويسمع سرك ونجواك، ويكلأك في متقلبك ومثواك.
من أجل ذلك مكر الله بالقوم الذين مكروا بك، فأرسل إليك جبريل الأمين يحذرك من الكيد، ويرسم لك الخطة، ويعين لك المتجه: أن هاجر إلى طيبة ولا تبت على فراشك، فإن القوم يأتمرون بك ليقتلوك. فخرجت من بين المؤتمر تحرسك عين الله بينما رقد على فراشك ابن عمك الشجاع الذي نشئ في حجرك، وأشرب في قلبه حبك، وود لو يموت فداك
وهاجرت وصاحبك الصديق الذي حمل إليك جميع ماله، فأدركته الشفقة على أبيه الضرير