الآن وقد عاد إليك مكانك الطبيعي في الإذاعة التي اقترنت باسمك منذ مولدها، واقترنت أنت بها منذ مطلع سبابك وباكورة عملك في الحياة. . والآن وقد عاد إليك مكان المشورة والرأي والتوجيه في الإذاعة، وقد صارت مؤسسة ذات خطر في الدولة وذات أثر في الناس، وأصبحت عاملا هاما في التثقيف والتهذيب والمعرفة الصحيحة. .
والآن وقد عاد إليك مكانك هذا في عهد جديد سعيد كأنما انسقت عنه السماء ليكون برزخا فاصلا بين النقيضين: الرذيلة والفضيلة، وليكون تغييراً لمعالم الحياة في مصر، وليكون قبرا أخير للفساد والظلم والطغيان والاستعباد وما إلى ذلك مما تردت فيه البلاد حقبة ليتها لم تكن في تاريخها!
الآن وقد عاد إليك مكانك هذا في عهد كهذا، فإن على كاهلك ليقع عبء كبير ثقيل لا ينهض به إلا أولو العزم من الرجال، وإني أعيذك أن تحتسب الأمر هينا سهلا، فإنك - إن تردج الإصلاح حقا - لتنفق من ذات نفسك وجهدك الشيء الكثير.
إن الإذاعة - حتى اليوم - مهزلة كبرى وفضيحة لمصر ليس وراءها فضيحة، وكأنما تنفق الدولة ما تنفقه على هذه الإذاعة ابتغاء التشهير بها والنيل من كرامتها وقدرها أمام العالم أجمع، فهذا العبث الذي ترسله الإذاعة، وهذا التخنث الذي يشيع في الأغلب الأعم من أغانيها من أمثال قولهم (ما قال لي وقلت له، وجالي ورحت له، يا عواذل فلفلوا) وسواه مما لا اذكره احتراما لقلمي أن يخطه ويتلوث بذكره، إنما هو فضيحة ليس وراءها فضيحة. . وهذا النفاق الذي يتدفق من شعراء الإذاعة وكتابها، هؤلاء الذين كانت تجرهم الإذاعة كالثيران البدنية ليلقوا على الناس عقود المديح والثناء والإطراء في الطغيان والعسف والظلم والاستبداد، هؤلاء المنافقون الدجالون عليك إبعادهم ونفيهم وكتم أنفاسهم، وتطهير الإذاعة منهم فإنهم رجس يجب ألا يعيش في هذه الأيام. .
إن عليك يا أخي أن تمحو من الأغاني والأناشيد والأحاديث كل ما يضعف الرجولة ويشيع