كتبت في الرسالة (٩٥٨) مقالاً عن الشاعر البائس المرحوم محمد إمام العبد، وقد خطر لي أن أتبعه بمقال عن زميله الشاعر البائس عبد الحميد الديب رحمه الله، وما زلت أترقب فرصة الحديث عن الشاعر حتى سنحت اليوم.
وقد لاحظت أن الرجلين متشابهان في أكثر من وجه، فكلاهما بائس معدم حاربه الدهر في رزقه، ووقف أمامه يسد السبيل عليه إلى الحظوة والسعادة والجاه.
وكلا الشاعرين - رغم فاقته المدقعة - كان مجالا للفكاهة والتندر، فتارة يبتدع النكتة المرحة، والملحة العابثة، وتارة تدور عليه القفشات البارعة، ويتخذ منه أداة للترفيه، والترويح في المجالس والمنتديات.
وكلا الشاعرين قد اضطر اضطراراً إلى التجارة بالشعر، فكان يكتب القصيدة في أي موضوع يملى عليه، ويبيعها إلى المتشاعرين نظير مبلغ خاص يرتزق به، ثم تنشر في الصحف بعد ذلك ممهورة باسم المشتري المحتال.
وكلا الرجلين - أخيراً - دميم الخلقة، عبوس الوجه، ممزق الثوب يحمل رائيه على السخرية والعبث به، لولا ما يرفرف في أضالعه من روح عذبة لطيفة، تبعث في محضرها أنواعاً مرحة من الخفة والبشر والابتهاج.
نشأ إمام في كنف عبدين رقيقين، ونشأ عبد الحميد في ظل أسرة متوسطة بإحدى قرى المنوفية، كان عائلها يتاجر بالقطن فأصاب ربحاً جزيلا منه، ثم عصف به سوء الحظ فتحول إلى المتربة والإدقاع، وتقلب فتاه معه في حالتيه، فرفل في مطارف النعمة والسعادة حينا، ثم احترق في لهيب الفاقة والحرمان حينا آخر.
وقد كان هذا التناقض المفاجئ في حياته ذا أثر هام في شخصيته، فقد أورثه تناقضاً ملحوظاً في طباعه، فكان سريع الغضب والرضا معا، يضحك فجأة ويسخط فجأة، ويمدح