أعرف إنكليزياً داهية في السياسة وإن لم يكن له مركز سياسي، ولكنه يميل إلى المبادئ الحرة. قابلته مرة وتحدثنا وجرنا الحديث إلى السياسة فقال: إنه يدهشني أن يكون بين المصرين من يسئ الظن بالسياسة الإنكليزية. فقلت: إن كنت قد رأيت من يسئ الظن بها من المصريين فلا يدهشك أن يكون بين الملايين من الناس آحاد يفعلون ذلك إذا كنت حقيقة قد رأيت منهم سوء الظن ولم تتوهمه. قال: ومع ذلك فأن أعظم الناس سذاجة يستطيع أن يفهم أننا لو شئنا نقض سياستنا الموالية لحليفتنا لكان ذلك من أيسر الأمور. قلت: ماذا تعني؟ قال: أعني أننا لا نريد الغدر بصديق ولسنا معروفين بذلك، فهذا تاريخنا يدل على أننا لم نغدر بأحد أئمتنا، فقد كنا دائماً أمناء، وكانت استقامتنا مضرب الأمثال، وليس لنا نفع نرجوه من وراء الغدر لأننا لا نريد أن نتحمل مسؤولية الحكم فتزيد أتعابنا العالية.
ثم سكت قليلاً وعاد إلى الكلام فقال: على أننا لو أردنا لاستطعنا أن نتبع خطة تطلق يدنا من غير أن نتحمل مسؤولية الحكم وأتعابه في الظاهر. ثم التفت إلي وابتسم ثم قال: ولكنا لا نريد. قلت: إني لم أفهم كلمتك الأخيرة. فسكت كأنما يشاور نفسه ويسألها: هل يبوح بما في نفسه أم لا يبوح؟ وبعد ذلك لوح بيده إشارة عدم الاكتراث لما قد يكون من نتائج ما أزمع أن يفسره وقال:
هناك أمور ثلاثة يمكن استثمارها وهي الأمور الدينية والأمور المالية والأمور الدستورية. ولا أعني استثمارها مباشرة أو الظهور بمظهر المستثمر لها؛ بل لابد إذا اتبعنا هذه الخطة ألا يفهم أحد أننا نستثمرها. ولنجاح هذه الخطة ينبغي ألا يفطن إليها أحد، ومن أجل ذلك يمكنك أن نثق بسبب شرحها لك أننا لا نريدها لأننا لو كنا نريدها لكتمناها ولأنكرناها إذا فكر فيها أو فطن إليها غريب عنا، ولحاولنا أن نقنعه بكل الوسائل أننا لا نريدها وأننا لم نفكر فيها.
قلت: وما هي هذه الخطة؟
قال: إنك تعلم أن خطتنا التقليدية كانت عدم المساس بالشعور الديني في صدر المحافظين