في تلك اللحظة التي لا تنسى حين وجه المأذون سؤاله الفاتن إلى صابر أفندي عبد الخالق:(هل تقبل نكاحها؟). ثم عطفه إلى الآنسة حياة الخضيري قائلاً:(هل تقبلين نكاحه؟). في تلك اللحظة التي لا تنسى تنهد قلبان ارتياحاً وغبطة بعد أن احترقا شوقاً وجوى عشرة أعوام تساوي مائة عام مما تعدون. وقد لهجت الألسن بالخبر السعيد أكثر مما ألفت أن تلهج بنبأ زواج. لأن الحب الذي آلف بين هذين الشخصين عشرة أعوام طوال كان ذاع أمره، وجرى مجرى الأمثال ذكره، فغدا نادرة يطرب لها الكواعب ويستدفئ بها العجائز في أحياء غمرة والسكاكيني والظاهر وغيرها من الأحياء القريبة التي شاهدت من آياته ما تهتز له النفوس وتخفق القلوب. وقد طغى هذا الحب واستبد. فهزأ بالكبرياء، وأزال الفوارق واستأداهما ما يطيقان وما لا يطيقان من التصبر والتجلد والإخلاص والوفاء، فأدياها إليه عن طيب خاطر، وقدما على مذبحه القرابين عاماً بعد عام. أما حياة فهي كريمة السيد شلبي الخضيري تاجر الأخشاب ذي الثروة الواسعة والجاه العريض، والمكانة الملحوظة في أسواق التجارة وميادين السياسة والحياة النيابية، وكانت إلى هذا حسناء في مقتبل العمر مشهوداً لها بالجمال الفائق والرشاقة الفاتنة. وأما صابر فمن أسرة فقيرة من عامة الشعب، ارتقت به مدرسة الصنائع إلى وظيفة مهندس كهربائي بمصلحة الميكانيكا بمرتب ستة جنيهات. فوهبته قلبها وجمالها وصدقته المودة والإخلاص، وأعرضت وفاء له عن عشاق ملحين عنيدين، ورفضت أيادي شبان ذوي حسب ونسب وجاه، منهم طبيب وجيه، وضابط بوليس يعبث شريطه الأحمر بالأفئدة. فلم تطع سوى قلبها العاشق المفتون. وحافظ هو من ناحيته على عهدها، وأخلص لها الحب، وليس هذا بالشيء الذي يستهان به في مثل عصرنا هذا. وتحمل في سبيلها أذى كثيراً دأب والدها على توجيهه إليه قبل أن يسلمه اليأس من إذعان كريمته إلى قبوله. وفوق هذا، فلم يكن مما يجذبه إليها جاذب الطمع في مال أو جاه أو ترق، فكان حبه خالصاً نقياً. على أنه لم يعرف عنه مع ذلك أنه كان يغض الطرف قط عن حسان السكاكيني أو الظاهر، وما كان يستطيع ذلك، ولكن الحق الذي لا