تلك هي النظريات والشروح الغربية التي لجأ إليها الدعاة لتفسير اختفاء الحاكم وغيبته؛ ولا ريب أن اختفاء الحاكم على هذا النحو الفجائي كان ضربة شديدة للدعاة؛ فقد كان الحاكم ملاذهم وحاميهم، وكان شخصه محور دعوتهم وعماد مزاعمهم؛ فلما اختفى الحاكم انهارت الدعوة في مصر بسرعة، وتفرق الدعاة في مختلف الأنحاء اتقاء المطاردة به، ولكن الدعاة ألفوا في هذا الظرف ذاته مستقى جديداً لدعوتهم؛ فقد اختفى الحاكم ولكن إلى رجعة؛ وليس على المؤمنين أن يعرفوا أين اختفى وكيف اختفى؛ ولكن عليهم بالصلاة والاستغفار حتى يرضى عنهم، ويعود إليهم عندما تحل الساعة، ذلك لأنه اختفى غضباً عليهم لما أمعنوا فيه من الآثام والخطايا، ولن يظهر إلا عندما تصفو قلوب المؤمنين وتصفو نياتهم؛ وفي هذا الاختفاء ذاته، دليل ساطع على ألوهيته وخارق قدرته، وهو في السماء أو في الأرض روح بلا جسم، يشرف على عباده (وإنه ليراهم من حيث لا يرونه)!
هذا وقد مضى إلى اليوم على مصرع الحاكم تسعمائة وخمسة عشر عاما، ولا يزال الموحدون يؤمنون برجعته ويرقبونها؛ ولم يقل لنا الدعاة أنى ومتى تكون هذه الرجعة من عالم الأبدية، وكل ما هنالك أن حمزة يقول للمؤمنين في رسالته الشهيرة، (إنه متى أطلت عليهم رحمة الله خرج ولي الله إمامهم باختياره راضياً عنهم، حاضراً في أوساطهم. .) ويكرر الدعاة هذه الإشارة الغامضة إلى مثول الحاكم ورجعته في رسائلهم، ولاسيما رسالة الغيبة التي أشرنا إليها، فيقولون:(إن مولاكم لا تخلو منه الدار وقد عدمته أبصاركم)(إن مولاكم يراكم من حيث لا ترونه)(أحسنوا ظنكم بمولاكم يكشف لكم عن أبصاركم ما قد غطاها من سوء ظنكم) وأمثالها من الإشارات والعبارات الرمزية الجوفاء. وخلاصة مزاعمهم في ذلك هو أنه متى حلت الساعة، يقوم جند الموحدين من ناحية الصين،