ونحن نلقي تبعة هذا الشر على الحكومة لأنها مقصرة في حق الأدباء، فهي لم تدبر لهم مصيفاً جميلاً في رأس البر أو الإسكندرية كما دبرت لنفسها ذلك المصيف الجميل في بولكلي تختلف إليه كلما شاءت؛ وهي لم تبح لهم حمامات السباحة يغشونها بالمجان لتعينهم على حر القاهرة القائظ الذي ترك أدمغتهم تغلي وعرقهم يسيل؛ وهي لم تفتح لهم خزائنها ينتهبون منها ما يشاءون ويريغون منها ما يريغون؛ وهي لم تبح لهم قطراتها وسياراتها يجيئون بها ويروحون دون أن تكلفهم التنقل السهل الرخي إلا ملأ استمارة سفر لا ترهق جيوبهم ولا يثقل تحريرها على أقلامهم؛ وهي لم تخاطب الدولة الحليفة في شأن تلك الحدائق التي كانت تفرج كروبهم وتشرح صدورهم، وهي لم توزع عليهم الحلوى والمرطبات التي تختص بها نفسها في المواسم والأعياد وهم إليه ناظرون وإلى القليل منها يتلمظون. . .
الحكومة لم تصنع شيئاً من هذا. . . بل هي تؤثر نفسها بكل مناعم الدولة من دون الأدباء، وهي تتركهم لقيظ يوليو وأغسطس يشوي جلودهم ويذيب أعصابهم. . . ثم يتلاعب بأقلامهم فيشرعونها لمحاربة أنفسهم لأنهم لم يفطنوا لما صنعت الحكومة بهم فلم يطالبوها بشيء، ولم يصرخوا في آذانها كما صرخ الموظفون المنسيون، وكما صرخ رجال التعليم الإلزامي والمدرسون المنقولون من مجالس المديريات. . . وهم يخدعون أنفسهم حين تملأهم صاحبة الجلالة الصحافة غروراً وكبرياء، وحين تصور لهم أنهم ملوك، بل قياصرة غير خليق بهم أن يبثوا شكاة أو يظهروا أحداً على بلوى
لهذا خلا الأدباء إلى شياطينهم وفرغوا إلى أنفسهم. . . فهم منقسمون إلى معسكرين. . . معسكر الشباب ومعسكر الشيوخ. ومعسكر الشباب منقسم على نفسه لأن أجناده ثوريون، فإن لم يجدوا ما يثورون عليه ثاروا على أنفسهم، كالنار التي تأكل بعضها، إن لم تجد ما تأكله