الحرب بطبيعتها أداة تخريب ودمار، ولكن لها فوائد يجب ان توضع في الكفة الأخرى من الميزان. فهي ترغم الناس على ان يشمروا عن سواعد الجد وينبذوا التكاسل والتراخي في نواح كثيرة. وبلادنا (بريطانيا) قد جنت من هذه الحرب فائدة جليلة: هي أنها صارت اقل انعزالا وانكماشا في حدود جزيرتها مما كانت من قبل. ذلك أن كثيرا من الأجانب قد لاذوا بسواحلها ووجدوا فيها معقلا يحميهم من الاضطهاد والعدوان. والإنكليزي العادي، والإنكليزية العادية، باختلاطهما بهؤلاء الأجانب ازداد فهمهما للأمم الأخرى وعطفهما على غير ملتهما من الملل. ومن الدلائل على هذا ذلك العدد الضخم من الكتب التي صدرت خلال الحرب عن الدول والأمم الأجنبية. كما ازداد الاهتمام بالترجمة من اللغات الأجنبية، الالمانية، والبولندية، والفرنسية، والتشيكية، ثم الروسية طبعا. واغلب هذه الكتب بطبيعة الحال قد الفت قبل الحرب، لأنه لم يصل من أوربا التي احتلها الألمان إلا العدد الضئيل من الكتب. ومن هذه كتاب جدير بالذكر هو (صمت البحر آلفه فركور وقد طبع هذا الكتاب لاول مرة في مطابع النشر السرية في فرنسا، بالرغم من فداحة الخطر، ثم هربت منه نسخة إلى الخارج. وقد ظهرت له ترجمة إنجليزية بعنوان (اطفئ النور هذا الكتاب الصغير - فهو في الحق لا يزيد عن قصة قصيرة - يصف موقفا لابد انه تكرر في مئات الألوف من البيوت في جميع أنحاء فرنسا المحتلة، فهو يصف أسرة فرنسية صغيرة، مكونة من رجل هرم وابنة أخيه، ترغم على إيواء ضابط ألماني. وهو موقف يسهل جدا اتخاذه فرصة للدعاية الرخيصة، ولكن ليس من هذا اتفه قدر في هذا الكتاب، فهو كتاب فن، كتاب فن خالص. فالألماني لا يوصم بأنه مجرم أثيم، والفرنسي ليس بطلا. بل الألماني رجل مثقف، طيب بطبيعته، ومأساته موصوفة بعطف بديع، وقد ترك إلى القارئ أن يستنتج ما يريد من النتائج. فهذا الكتاب، على الرغم من ضآلة حجمه من المؤلفات القليلة عن الصراع الحاضر التي يمكن أن تعد أدبا رفيعا.
هذه المسألة، مسألة الترجمة من اللغات الأجنبية، هي في اعتقادي ذات أهمية بالغة في بناء أدب الأمة. فهي هامة في المحل الأول لأننا إذا أردنا أن نعرف شيئا عن أمة ما فخير ما