للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مصر والعروبة]

للدكتور طه حسين بك

(أخي العزيز

قرأت مقال الأستاذ ساطع الحصري بك في رسالة الاثنين الماضي، وأظن أن من حقي عليك أن تنشر ردي على هذا المقال، وما أرى أنك تبخل علي بهذا الحق

وهذا الرد فصل من كتاب (مستقبل الثقافة) الذي سيظهر بعد أيام، فهو إذن قد كتب وطبع قبل مقال الأستاذ الحصري. . . ولك أصدق المودة وأخلص الإخاء)

طه حسين

قد أشرت منذ حين إلى أن من الحق على الدولة المصرية للثقافة أن تذيعها في طبقات الشعب المصري من جهة، وأن تتجاوز بها الحدود المصرية إلى الأقطار التي تستطيع أن تسيغها وأن تنتفع بها من جهة أخرى

ولأمر ما قالت بعض الأقطار الشرقية لمصر إنها زعيمة الشرق العربي، ولأمر ما صَّدقت مصر ما قيل لها. فإن كان هذا حقاً فإن له نتائج يجب أن تنشأ عنه وتبعات يجب أن تترتب عليه. وإن لم يكن هذا حقاً فإن من الواجب علينا أن نحققه لأن فيه تحقيقاً لكرامتنا من ناحية، ولأن فيه ارتفاعاً عن الأثرة التي تليق بشعب كريم. والشيء الذي لا شك فيه هو أن الله قد هيأ لمصر من أسباب القدرة على إحياء الثقافة ونشرها ما لم يهيئ لغيرها بعد من الأمم العربية. فمما لا يليق بالمصريين وقد تسامع الناس بأنهم كرام، وزعموا هم لأنفسهم أنهم كرام أيضاً، مما لا يليق بهم أن يؤثروا أنفسهم بما أتيح لهم من الخير ويختصوها بما أتيح لها من النعمة، وإنما الذي يلائم كرمها وكرامتها وما تطمح إليه من المثل الأعلى أن يكون حديثها ملائماً لقديمها، وأن تكون مشرق النور لما حولها من الأقطار، وأن تكون البلد الذي تهوي إليه أفئدة الراغبين للعلم والراغبين فيه

وقد يظن المصريون أنهم يبلون في سبيل ذلك بلاء حسناً. فأحب أن أصارحهم بأنهم لم يفعلوا في سبيل ذلك شيئاً

إن الأقطار العربية تقرأ ما ينشر في مصر من الصحف والكتب والمجلات، ولكن مصر لم تصنع إلى الآن شيئاً لتيسر لهذه الأقطار قراءة كتبها وصحفها ومجلاتها. ولعل من هذه

<<  <  ج:
ص:  >  >>