كتبت مقالي في العددين (٢٥٧ و ٢٥٨) من الرسالة تحت عنوان الشرق والغرب فأوردت فيه بعض مباحث دارت بيني وبين الدكتور إسماعيل أدهم، فإذا به يأتي في عدديْ (٢٥٩ و ٢٦٠) بما يعتقده مؤيداً لرأيه، وهو المبدأ الذي حاول تعزيزه في مناظرة (٢٠ مارس سنة ١٩٣٨) يثبت أن من الخير لمصر أن تأخذ بالحضارة الغربية. وقد أحسن الدكتور أدهم بإيراده ملخص أقواله إذ عرض بذلك على المفكرين ما يتمم البحث بإيضاح النظرية الإيجابية في قضية تشغل كل محب لأوطانه في هذا الشرق العربي الذي آن له أن يعين اتجاهه ويتطلع إلى مصير أبنائه وأحفاده
هذا ولا بد لي في هذا المقام أن أكرر على قراء الرسالة ما قلته لمن غصَّ بهم رحب قاعة المناظرة حين دافع الدكتور عن نظريته، ولمحت شيئاً من الأشياء لموقفه على وجوه الشبيبة العربية. قلت: إن صديقي الدكتور أدهم فيلسوف غربي لا يسلم تفكيره في الاجتماع من نزعات فطرته، كما لا يسلم تفكيرنا نحن من نزعات فطرتنا. فالمسألة مسألة اجتماعية يدور بها الشيء الكثير من حوافز الذوق الموروث، لذلك أرى موقف صديقي مهاجماً أحرج من موقفي مجارياً، فأشكره على صراحته معتقداً بحسن نيته وبأن حبه للشرق ولمصر هو ما يحفزه إلى محاولة إقناعنا بأفضلية الحضارة الغربية؛ ليس عدوَّا من ناقشك ودعاك إلى الأخذ بم يعتقده حقَّاَ لأنه يتمنى لك ما ارتضاه لنفسه
والآن لأرسلن نظرة عجلى في ما كتبه الدكتور أدهم في الرسالة متناولا ما يستوقفني فيه مما لم أتناوله في مقالي السابق متجنباً التكرار متوخياً حصر الموضوع في دائرة محدودة نصل منها إلى نتيجة، لأن اقتحام الجدل من أجل الجدل لا يؤدي في الغالب إلا إلى الانتقال لفروع القضية بالتغاضي عن أصلها
١ - إن مُناظري يعترف بأن لمصر ثقافة تقليدية لا يمكنها أن تخرج عنها ما لم يهتز المجتمع في صميمه، ولكنه يعود بهذه الثقافة إلى أصل فرعوني راسخ سواء في طرق المعيشة أو في الدين؛ ودليله على استقرار مصر على حضارة فرعونية جلباب الريفي