للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[هكذا قال زرادشت]

للفيلسوف الألماني فردريك نيتشه

ترجمة الأستاذ فليكس فارس

الشعراء

وقال زارا لأحد أتباعه: منذ بدأت أعرف حقيقة الجسد لم تعد الروح روحاً في نظري إلا على أضيق مقياس، وهكذا صرت أرى (كل ما لا يفنى) رمزاً من الرموز.

فأجاب التابع قائلاً: لقد قلت هذا من قبل يا زارا ولكنك أضفت إليه قولك (وكثيراً ما يكذب الشعراء) فلماذا قلت هذا؟

فقال زارا: أنت تسأل لماذا، وما أنا، ممن يحق عليهم أن يُسألوا. ما أنا ابن الأمس وقد مر زمان طويل على إدراكي أسباب ما أرتأيه، وهل أنا خزانة تذكارات لأحفظ الأسباب التي بُنيت عليها آرائي؟ إنما يكفيني عناء أن أحفظ هذه الآراء نفسها، أفليس في العالم عصافير تشرد من أماكنها؟ ولكم وجدت في قفصي من طير غريب يرتجف إذا ما مرت عليه يدي ومع ذلك فماذا قال لك زارا يوماً؟ لقد قال إن الشعراء كثيراً ما يكذبون، وهل زارا نفسه إلا واحداً من هؤلاء الشعراء؟ أفتحسب أنه بهذه الصفة قد أعلن الحق؟ وما الذي يكرهك على تصديقه؟

فقال التابع: إنني مؤمن بزارا.

أما زارا فهز رأسه وابتسم قائلا: ليس الإيمان مما يرضيني حتى ولو كان هذا الإيمان معقودا علي، ولكن إذا قال إنسان بكل جد: إن الشعراء يكذبون، فانه ليقول حقاً لأننا نحن الشعراء نكذب كثيراً، ولا بد لنا من الكذب ما دام ما نجده من العلم قليلا. ومَنْ من الشعراء بيننا لم يغش شرابه وفي سراديبنا تستقطر السوائل المسمومة؟ ولكم فيها من أمور يقصر عن وصفها البيان. إن افتقارنا في المعرفة يهيب بنا إلى محبة مساكين العقول وبخاصة إلى محبة مسكينات العقول الفتيات. . . فنحن نعود بشهواتنا إلى الأمور التي تتحدث عنها العجائز في السمر ونقول إن ما نبحث فيه إنما هو قضية المرأة الأبدية.

يخيل لنا أن أمامنا طريقاً سوياً يؤدي إلى المعرفة وأن هذا الطريق لا ينكشف لمن يدركون

<<  <  ج:
ص:  >  >>