يشيع التفاؤل والأمل في نفوسنا كلما نجد الباحثين يشيرون إلى المشكلة العلمية في البلاد، ويحضون على نشر الثقافة العلمية وتنظيمها التنظيم المنتج. والحس الجديد بخطورة العلم وأثره في كيان الأمة وليد التأثر بروح العصر، ونتيجة الإدراك الواعي لنزعات النهضة العالمية الحاضرة التي يرفع العلم عمادها، ويكيف وجهاتها بصرف النظر عن النكسات التي تمنى بها المدنية، والتي لا يمكن أن يعد العلم مسئولاً عنها بأي شكل كان. وهذا الشعور بالنقص العلمي، والفوضى التي نتخبط فيها سيحفزنا دون ريب لاستعجال العلاج، ولبذل الجهد الأكبر لحل مشكلاتنا حلاً سريعاً حاسماً.
هل العقم في الاختراع والابتكار والاكتشاف متأصل في العقل العربي، أو هو وليد ظروف قاهرة إن زالت تفرد هذا العقل في التفكير والأداء؟ لماذا نحجم عن ارتياد الأبحاث العالية التي تملأ كتب الغرب ومجلاتهم، ونكتفي بالتغلغل الأدبي في بواطن الأمور؟
كيف نكون رأياً علمياً هاماً وفلسفة قومية شاملة؟ هل في بلادنا من الإمكانيات العلمية ما لو انتقل من حيز القوة إلى حيز الفعل رفعها إلى مصاف الأمم الراقية كإنجلترا وألمانيا وروسيا مثلاً؟ هل تصلح بلادنا ليترعرع فيها العلم في تربة خصبة، وجو مناسب، وعوامل طبيعية صالحة؟ ما هي أخصر الوسائل لخلق مثل هذه البيئة العلمية؟
هذه مسائل أساسية أذكرها دون ترابط فيما بينها لأقول إن الخوض في مثلها واجب مفروض على كل متخصص يستطيع الإجابة الوافية المطلوبة. وبحثي هذا محاولة سريعة لشرح الدعائم التي ترتكز عليها البيئة العلمية. وأنا إن قصدت في هذا البحث وجهة خاصة فذلك ما يفرضه الوسط العلمي الموبوء الذي نعيش فيه، والصورة المثالية للوسط العلمي السليم الذي ننشده.
وقبل أن أبدأ أجدني مضطراً لذكر ملاحظة قد تكون من تحصيل الحاصل؛ ولكن لابد منها لنمحو بعض ما علق بنفوس مريضة بداء الشعور بالحقارة، فتنكر على الأمة كل كفاية علمية، وتكفر بماضيها المجيد، ومن ثم لا تؤمن بمستقبلها أي إيمان. مثل هذه الفئة من الناس يجب أن تفهم بأن العلم لم يكن ولن يكون وقفاً على أمة بعينها بحيث تعدم الأمم