للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[هكذا قال زرادشت]

للفيلسوف الألماني فردريك نيتشة

ترجمة الأستاذ فليكس فارس

الوغد

ما الحياة إلا ينبوع مسرة. ولكن أيان شرب الوغد فهنالك جدول مسموم. أحب كل ما هو نقي، ولكنني لا احتمل رؤية الأشداق تتثاءب معلنة ظمأ الأرجاس، وقد جاؤا يسبرون أعماق البئر بأنظارهم فانعكست في قرارتها ابتسامتهم الشنعاء توجه سخريتها إلي.

لقد دنسوا المياه المقدسة بأرجاسهم، وما تورعوا فدعوا أحلامهم القذرة سروراً فدسوا سمومهم حتى في البيان. أن اللهب يتعالى مشمئزاً عندما يعرضون قلوبهم المائعة عليه، والروح نفسها تغلي وتتصاعد بخاراً عندما يقترب الأوغاد من النار، والأثمار نفسها يفسد طعمها وتتراخى عندما يلمسونها بأيديهم، وإذا ما حدجوا بأنظارهم الأشجار المثمرة فإنها لتجف على أعراقها.

لكم من معرض عن الحياة لم ينفره منها سواء الوغد الزنيم، فعافها إذ لم يشأ أن يقاسم هذا الوغد ما عليها من ماء ولهب وأثمار.

لكم من شارد لجأ إلى الصحراء متحملا السعار عائشاً بين الوحوش كيلا يجلس إلى بئر يدور بها حداة العيس بما عليهم من أقذار.

ولكم جاء الأرض من مكتسح أشبه بالبرد المتساقط من السحاب ولا أمنية له سوى ضرب قدمه في أشداق الأوغاد ليسد حناجرهم.

ما صعب عليّ الاعتقاد باحتياج الحياة إلى العداء والقتل والاستشهاد كما صعب عليّ التسليم بضرورة وجود الوغد الزنيم فيها.

أمن ضرورة الحياة هذه الينابيع المسممة والنيران المشبوبة تفوح بالروائح الكريهة وهذه الأحلام الرجسة وهذه الديدان ترتعي في خبز الحياة؟

ليس العداء ما قرض حياتي بل الكراهة والاشمئزاز. ولكم استثقلت الفكر نفسه عندما رأيت شيئاً من الفكر في رأس الوغد الزنيم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>