ولكنه طريق التاريخ لا طريق المدنية، أو طريق الزمان دون طريق المكان، وقد يحدث في هذه الطريق ما يحدث في كل طريق من المصادفات والمناقضات، فيعيش الناس في حي واحد ولا يلتقون، ويلتقون وهم يعيشون في أحياء لا يجمعها مكان. أيذكر القارئ كيف يتفق له أن يقضي السنين ولا يلقى في خلالها وجهاً من الوجوه التي تعود النظر إليها، ثم تعرض له فترة من الزمن فإذا هو يستقبل ذلك الوجه أمامه حيث سار على غير موعد وعلى غير انتظار؟
ذلك ما حدث لي في طريق التاريخ مع (عمر الخيام) خلال الأيام الماضيات، فما فتحت كتاباً إلا أطل منه (الخيام) بصفحة من صفحات وجهه أو جانب من جوانب نفسه، على تعدد الموضوعات وتباعد المناسبات. إذ كان من تلك الكتب ما أفتحه للمراجعة العاجلة في مسألة من مسائل التصوف أو مسائل السياسة أو مسائل الفلسفة أو مسائل الأدب وما إليه. وكنت مشغولاً بالشيخ الرئيس ابن سينا فما تعمدت لقاء الشيخ مرة إلا خراج لي الخيام في بعض الطريق كأنهم يقيمون من عالم الأرواح في عالم واحد أو كأنهم يحضرون معاً بدعوة واحدة على خلاف الآداب العصرية في استجابة الدعوات.
تحدث العروضي السمرقندي في (مقالاته الأربع) عن الفيلسوف ابن سينا وعن الفلكي عمر الخيام، فروى عن كليهما الأعاجيب، وكلاهما قد عاش زمناً في إقليم واحد وإن تلاحقا بالزمان. . .
وراجعت بعض الأقوال في تناسخ الأرواح فرأيت أناساً ممن يدينون بهذا المذهب العجيب يعممون التناسخ ولا يقصرونه على الحيوان والإنسان، فانتقال الروح من رجل إلى امرأة أو من رجل إلى رجل نسخ، وانتقالها من إنسان إلى حيوان مسخ، وانتقالها من إنسان إلى نبات فسخ، وانتقالها من إنسان إلى جماد رسخ. . . وما من انتقال منها كما رأيت إلا وهو على قافية الخاء، دون غيرها من حروف ألف باء، وهو حرف لا يوجد في معظم اللغات الأوربية ولغات الأمم على الإجمال. فكيف تسعفهم القافية يا ترى في تلك الأمم إذا احتاجوا