في ليلة الخميس ٢١ يناير العالم الجليل الدكتور أمين المعلوف باشا نفسه بعد مرض طويل حجبه عن الناس ومنعه عن العمل، فشق نعيه على جمهرة العلماء والأدباء، ممن عرفوا فضله على العلم واللغة، وعلموا مكانه في الأدب والخلق، وصادقوا فيه الرجل الذي لا يتغير، والعالم الذي لا يدَّعى، والعامل الذي لا يكل. كانت حياته رحمه الله كحياة النبع الصافي يرسل حوالبه النماء والخصب من غير هدير ولا كدورة. ثم توفاه الله أمجد ما يكون ماضياً وأطيب ما يكون سمعة. كان ضابطاً ممتازاً في القسم الطبي بالجيش المصري، ثم قضى بضع سنوات في الخرطوم. ولما قامت الحركة العربية في الحرب الماضية انضم إليها، وكان من العاملين الصادقين فيها. ثم اختاره المغفور له الملك فيصل الأول كبيراً لأطباء جيش العراق، فأدى واجبه العلمي والعسكري على أفضل وجه حتى ارتقى كفاءته وحسن بلائه إلى رتبة فريق. ثم بلغ سن التقاعد فرجع إلى القاهرة واشتغل بالبحث والتأليف فنشر مقالات ممتعة في الحيوان والنبات والمصطلحات العلمية والشوارد اللغوية، ووضع في الحيوان قاموساً يعتبر مرجعاً في بابه. وقد اتصف الفقيد بالوفاء والمروءة والإباء، فأحلته جميع هذه الصفات منزلة رفيعة بين جميع من اتصلوا به.
رحمه الله رحمة واسعة وعزى عنه أسرته وأمته خير العزاء.
١ - الأوامر بين الطاعة والعصيان
في العدد ٢١٢ من مجلة (الثقافة) مقال للأستاذ أحمد أمين بك عنوانه (في الطريق). وهو مقال ينطوي على فكرة دقيقة تستحق الإشارة وتستوجب التعقيب. فالأستاذ يظهر في كلمته العجب البالغ من هذه الطاعة التي يحظى بها (عسكري المرور) ويذهب في تعليل ذلك إلى احتمالات شتى ينتهي برفضها جميعاً: فليس لشخصية عسكري المرور عنده أثر في إيجاد هذه الطاعة، لأن هناك (من هم ضعاف الشخصية ويسمع لقولهم في الطريقي كأقوياء الشخصية سواء بسواء. . .) وليس لـ (قوة القانون)، ولا للخوف من (العقوبة الحتمية السريعة) التي يستتبعها الإخلال به، أثر أيضاً في تحقيق ذلك الخضوع العجيب. ولهذا يحار الأستاذ - كما يقول - في بيان السبب فيتركه لقرائه. وهو يستعرض عقب هذا أوامر