للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

الشيطان

للكاتب الفرنسي جي دي موباسان

كانت المرأة العجوز مسجاة على فراشها وهي تعالج سكرات الموت، وترقب من بين أهدابها المرهقة أبنها وهو منتصب أمام طبيب القرية وتحاول بكل ما أوتيت من قوة وإحساس أن تتبين ماهية الهمس الذي كان يدور بينهما. كانت هادئة ساكنة رغم ثقتها من أنها ستموت عن قريب. . . ولكنها كانت مستسلمة للواقع الملموس. . . فهي قد أكملت الثانية والتسعين من عمرها. . . وهذا يعني أنها قد أتمت رسالتها في الحياة.

وتخللت شمس يوليو النافذة. . . وغمرت أشعتها الملتهبة أرض الغرفة وارتفع صوت الطبيب قائلاً بشدة:

- إنك لا تستطيع أن تترك أمك وحيدة يا (أونوريه) وخصوصاً وهي في مثل تلك الحالة فهي قد تموت بين آن وآخر وأجاب أونوريه بقلة اكتراث:

- مهما يكن المر. . . يجب على أن أذهب لحصاد الحنطة. . . وهاهو ذا الجو الملائم لذلك. . . ماذا تقولين في ذلك يا أماه؟

وبرغم شعور المرأة برعشة الموت وهي تسري في جسدها. . . فقد شارت إلى أبنها بالموافقة وهي تحت تأثير جشعها وعبادتها للمال.

وضرب الطبيب الأرض بقدمه محنقاً وهو يهتف:

- ما أنت إلا وحش غليظ القلب. . . ولكنني لا أسمح لك أن تفعل ذلك. . هل فهمت؟ أن كان عليك حقاً أن تحصد حقل الحنطة فلا أقل من استدعاء المرأة (رايت) للعناية بأمك وأنا أصر على ذلك. . أما إذا لم تفعل ما أشرت عليك به. . فسأتركك تموت وحيداَ كالكلب الأجرب إذا ما افترسك المرض بأنيابه وحانت منيتك. . فتذكر ذلك.

أي أحاسيس وجلة خالجت مخيلة أونوريه في تلك اللحظة؟

لقد كان يخاف الطبيب الوحيد في القرية، ولكنه إلى جانب ذلك كان يعبد المال ويقدسه؛ وتردد قليلا قبل أن يسأل الطبيب في النهاية قائلاً بارتياب:

- وكم تطلب المرأة رابت أجراََ للعناية بأمي؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>