للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أثر السياسة الحزبية في الأخلاق]

للأستاذ عبد العزيز البشري

لقد عرفت من حديث الأسبوع الماضي بعض الآثار التي أشاعتها الحكومات الحزبية المتعاقبة في أخلاق جمهرة الموظفين، الإداريين منهم بوجه خاص، حتى نجم في بلادنا ذلك الفن المحقور المرذول: فن إرضاء القائم ومشايعته في هواه، ومد حبل الولاء للمقبل ومقاسمته أنه صادق الولاء له، ولقاء هذا بوجه، وذاك بوجه أخر، والتحدث إلى هذا بلسان، وإلى ذلك بلسان أخر. ولاشك أن من شأن النجاح بمثل هذه الوسائل، وعصمة المنصب باتخاذها، أن يبعث كثيرا من الموظفين الآخرين على التباري فيها، والافتنان في طلب السبق بها. وهكذا تتميع الأخلاق تميعا، وتتحطم طباع الرجولة تحطيماً!

على أن أثر الحال لا يقتصر على الأخلاق فحسب، بل إنه ليدخل الاضطراب والاختلال على الأعمال العامة التي يعالجها هؤلاء الموظفون. فالموظف، في هذه الحال، يحب أن يرضي أشياع الحكومة القائمة، ولا يحب أن يسيء إلى خصومها من أشياع الحكومة المقبلة، ليتخذ اليد عندهم ليوم تتبدل الحال غير الحال. فهو يبين أن يسوق ما بين يديه من الأعمال تعويقا ليتحلل من المسئولية البتة، وأما أن يعمد إلى توزيع المنافع بين هؤلاء وهؤلاء على حساب المصلحة العامة. وفي الأول شل لحركة الأعمال الحكومية وتعود الاسترخاء عن الاضطلاع بالمسؤوليات، وفي الثانية عبث بحقوق العباد، وإخلال بمصالح البلاد، وفي كلتيهما شر عظيم وفساد كبير!

ولقد أمتد أثر هذه الحال إلى الأعمال الفنية العظيمة، فإن الحكومات الحزبية في بلادنا إنما تعمد، في العادة، إلى المشروعات الفنية التي هيأتها سابقتها، فتتناولها بالتغيير والتبديل، أن لم تتولها بالإلغاء والتعطيل. ولقد تكون قد جردت عليها وهي في المعارضة حملة حزبية شعواء، فأنظر، رعاك الله، موقف الموظفين الفنيين الذين هيأوا تلك المشروعات وأعانوا عليها من هؤلاء ومن هؤلاء!

وليس لهذا من أثر إلا أن ينقبضوا عن معالجة الأعمال الجسام، وأن يحتالوا على الخلاص منها طلبا للخلاص بأنفسهم من ألوان المسئوليات. وفي ذلك إثم في حق الفن وحق الوطن على بنيه من صفوة المتعلمين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>