للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شلفون بعد نصف عام!. . .]

بقلم منير الجم الطرابلسي

رحم الله هذا الموسيقي الراحل، فقد عاش طريداً شريداً، غريباً في وطنه، منبوذاً من أهله ومن الناس، ومازال مع الخطوب في صراع حتى فجئته كارثة دهماء أجهزت على حياته المنكودة، فكان ضحية غالية على مذبح الفن لم يدر أحد من أمرها شيئاً!

عاش في دنياه مجهولاً، وجاهد في سبيل الفن مغبوناً، ولقي حتفه باليأس والبؤس، ثم لجأ إلى بارئه يشكو مكر الإنسان، وختل

الصديق، وجور الدهر!

وقعت الواقعة، ونزلت النازلة، وأنهار صرح (كوكب الشرق) في بيروت، فكانت نكبة نكباء، وجبت لهولها الأفئدة، وهلعت القلوب، والناس حول الضحايا في مأتم يبكون، هذا يرثي لأباه، وذاك يبكي أخاه، وآخر يذرف الدمع على صديقه مدراراً. إلا

هذه الضحية المجللة بروعة الفن، كانت في عزلة عن اهتمام الجمع، فأنهم جهلوها أو تجاهلوها، ونسوا ماضيها وحاضرها، وما أسرع الناس في نسيان الماضي، وجحد الفضل، ونكران الجميل!

ولكن لم تخل الأرض من أخبار بررة قاموا بواجب التأبين في محفل الوليد، وشاركتهم بعض صحف حرة في نشر الترجمة، وتعديد المناقب والمزايا، فكانت تعزية للراحل الكريم في الأولى والآخرة؛ ثم أسدل الستار على ذكراه، فلم يفطن إليه محفل أو ناد، حتى ولا تلاميذه، وما ذلك إلا لأنه كان بائساً معدماً، أبي النفس، عالي الهمة، كارهاً للشهرة والظهور، شانه في ذلك شأن عظماء الفن، يصهرون نفوسهم الزكية في مثلهم العليا، ثم يتلاشون في سكون وهدوء!

كان موسيقياً نابغاً فياض العواطف والشعور، وكان أديباً كبيراً مملوء بنفس سامية تأبى أن تذل، جاهد في مصر زمناً ينشر علينا من أريج (روضة بلابله) الغناء ما يسر النفس، وينعش القلب، حيث المبتكر الساحر، والجديد السائغ في الموسيقى والأدب؛ ثم ناهضه الحساد فرحل إلى دمشق عله يخفف اللوعة فيها والأسى، فكان نصيبه الصد والفشل والإخفاق! فلما ضاقت الأرض عليه بما رحبت سعى إلى عاصمة لبنان، وكأنه كان على

<<  <  ج:
ص:  >  >>