لقد رأيت في العدد الماضي وطنية هاشم الأتاسي تتجلى أمام الفرنسيين حينما أعتزل الحكم بإرادته، وقد أعجبت بهذا الموقف وقلت إنه يندر أن نجد الكثيرين من أمثاله في القرن العشرين وسط المشتغلين بالمسائل العامة في هذا الشرق، وسأقص عليك في هذه الكلمة شيئا من تردد السلطات الفرنسية، وماذا كان جزاء وطنيته وإخلاصه من بعض أولئك الذين فرض من المبدأ أن يكونوا من معاونيه وأنصاره، فإذا هم الذين عناهم أبو الطيب بقوله:
كدعواك كل يدعى صحة العقل ... ومن ذا الذي يدري بما فيه من جهل
ولقد أشرت في الكلمة السابقة إلى مذكرات رجال السياسة والحكم التي نشرت بمختلف اللغات، وكيف يحتاج إليها مثلي للوصول إلى ضبط الكثير من الحقائق، ومن قبيل هذه المذكرات أو أهمها مذكرات الجنرال كاترو، فقد أبلغني صديق كريم أن الجنرال بدأ ينشرها في جريدة الفيجارو الفرنسية، وكان بودي أن أطلع عليها قبل كتابة هذه الكلمة، فلم أستطع الحصول عليها كاملة بمصر، وعليه قدر على أن أنتظر حتى يتم طبعها كاملة كما قيل لي، فأبدي رأيي فيها كقارئ، أو كرجل لمس عن قرب شيئا من الحوادث التي تتناولها هذه المذكرات.
ولقد أشرت إلى تعدد مقابلاتي مع الجنرال طول شهر مارس ١٩٤٣ وكان أغلبها في دمشق التي كان يفضل الإقامة فيها، بل وصرح مرارا أنه يعمل على نقل المفوضية العليا الفرنسية من بيروت إليها، واعتقد أنه لولا ما صادف كاترو من اعتراضات معينة من بعض الفرنسيين الذين يعملون معه، ولولا تأثير الوسط البيروتي لنجح في قصده هذا مدة وجوده بسوريا ولبنان على الأقل.
واذكر في إحدى هذه المرات التي قابلته فيها بمدينة دمشق وكان قد دعاني إلى قصر المفوضية بالمهاجرين، فتعمد أن يضع على المدخل مفرزة من حرس الفرقة الجركسية