للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الفقه الإسلامي ورعاية الصالح العام]

للأستاذ محمد محمد المدني

المدرس بكلية الشريعة

(الفقه الإسلامي) مستنبط من الشريعة الإسلامية وهذه الشريعة تمتاز بأنها شريعة الفطرة، وشريعة العقل، وشريعة الرحمة:

فهي تعترف بالحقائق، ولا تحاول الخروج على السنن الكونية ولا تصطدم بالعلم، ولا تضيق صدراً بالإصلاح، ولا تكلف الناس ما ليس في استطاعتهم!

ذلك بعض ما كانت به الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، وجعل لها هذا الاعتبار العام، ولم يكن فقهها معه شخصياً ولا موضعياً

وليس معنى هذه الصلاحية أن كل جزئية من جزيئات الفقه التي استنبطت لا تقبل التغيير ولا التعديل، فإن ما صلح للأولين لا يعقل أن يكون هو بعينه، وفي جميع جزيئاته، ما يصلح للآخرين ذلك أن شريعة العقل والرحمة لا تجهل أن الأحوال دائماً في تغير، والدنيا في تقلب، ولكل قوم عادة وعرف

ولو كان هذا هو المعنى المقصود من قولهم: (إن الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان)، لوقعنا منه في حرج عظيم، وتكليف لا يحتمل

أيجوز مثلاً أن نرجع بالمساجد إلى حالتها الأولى، فنجردها من الفرش والبسط، ونكتفي بأن نفرشها بالرمل أو الحصباء، لأن سنة السلف في مساجدهم كانت كذلك؟

أيجوز مثلاُ أن نلزم القاضي بأن يكون له في المسألة الواحدة قضاء واحد من غير تفرقه بين أحوال المتقاضين وبيئاتهم؟

لقد سمعت أن قاضياً شرعياً عُرضت عليه قضية أهان الزوج فيها زوجته بألفاظ جارحة - وهما زوجان من وسط راق - فطلبت الزوجة التفريق، فقضى لها به القاضي

فهل يجوز للقاضي أن يقضي بمثل ذلك في قضية يكون الزوجان فيها من وسط قد ألف ذلك فيه، بل ألف فيه ما هو أشد منه كالضرب مثلاً؟

أيجوز لنا مثلاً أن نلزم وزارة الدفاع أن تلبس جنودها العمامة البيضاء تحقيقاً للخبر الذي يروون: (تعمموا فإن الشياطين لا تتعمم)؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>