كان المغفور له حافظ بك إبراهيم شاعرا عظيما وأحد الثلاثة الذين رفعوا اسم الشعر عاليا في الجيل الماضي. ومن يجهل أولئك الأدباء الذين لن يمحو مرور الأيام والأيام ولا مرور الأحقاب ذكراهم الخالدة - بل من لا يعرف شوقي وحافظا والمطران أولئك الأبطال الثلاثة الذين قد يكونون ولدوا في سنة واحدة فهم من فلتات الزمان. وقد تمر الأجيال بل القرون ولا تلد النساء أمثال هؤلاء العباقرة.
وإني أذكر أن في مقهى (سبلنددبار)(مقهى السبت فاير اليوم) المجاور لنزل شبرد المشهور والمقابل لحديقة الازبكية في القاهرة كان يجلس أدباء الجيل الماضي في خلال الحرب العظمى الأولى وقبلها، ومن أولئك الأدباء - الشعراء الثلاثة الذين خفقت أعلامهم في الإفطار والشيخ طاهر الجزائري والشيخ رشيد رضا والشيخ عبد الحميد الزهراوى ومحمد إمام العبد الشاعر الأسود ورفيق بك بركات والشيخ عبد القادر المغربي ومحمد كرد علي_العالم الدكتور شبلي الشميل الذي كان أعلم رجال زمانه في العلوم الطبيعية وانطوان الجميل بك؛ وكان ينتاب ذلك المجلس الفينة بعد الفينة سليمان البستاني والدكتوران يعقوب صروف وفارس نمر باشا.
ذلك كان مقهى العلماء والأدباء يجلسون فيه طوال الساعات يتجاذبون فيه الأحاديث من قديم ومن حديث فكان بمثابة سوق عكاظ، والذي تتاح له مجالسة أولئك الأبطال كان يتعلم منهم الجم مما جهل فقد كانوا معلمين طوراً وتارة متعلمين.
ولم يبق من الأحباء ممن ذكرت سوى الدكتور فارس نمر والشيخ عبد القادر المغربي ومحمد بك كرد علي الذين مازالوا يعملون في العلم والأدب والصحافة واللغة أطال الله أعمارهم وصان صحتهم ورحم الله أولئك الأبطال الخالدين.
ووقع مرة أن حافظا كان في المقهى ومنه بعض صحبه فأقبل عليهم محمد إمام العبد والكآبة تلو محيا الأسود فيزيده حلكا؛ وبعد أن سلم على الإخوان الغطاريف جلس إلى جانب حافظ فذعر حافظ من ذلك المنظر وكربه أن يرى إمام العبد يعاني ذلك الغم_وقال له ويحك! قل ما أصابك. هل ماتت زوجتك أم مات ابنك وأنت لا زوج لك ولا ابن ولن ويكون لك لا