للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[خواطر]

في الموت والخلود

للأديب عبد الوهاب الأمين

لي صديق لا يخشى الموت لأنه لا يفكر فيه، ولهذا الصديق فلسفة رائقة في الاطمئنان، تعجبني لأنني لا أعتقد بها؛ وقد حاولت أن أحاوره فيها فرأيت أنه يحتمي بالعقل ويجعله مدار التفكير، ولا يقيم وزناً لعاطفة الخوف من الموت أو الجزع من لقائه، فهو مطمئن أولاً، ومعتقد بتفاهة الموت ثانياً؛ وقد أختلط هذا الاطمئنان بذاك الاعتقاد فتشكل منهما شعور جديد، فكأن صاحبي هذا لا يفكر بعقله بل يفكر بعاطفته

يقول صاحبي:

(إن الموت خاتمة طبيعية محتومة لحياة الإنسان، فالتفكير فيه عبث لا طائل تحته، مادام أن التفكير، مهما طال وعمق، لا يغير تلك النتيجة المحتومة، حتى ولو صدقت ادعاءات بعض المشتغلين بالعلم من أمر إطالة العمر، أو تجديد الشباب، فإن هذين لا يعنيان الخلود. فلو فرض إن إعادة الشباب كما يصورها الدكتور (فرونوف) صحيحة ومؤكدة علمياً، فإن من الصحيح والمؤكد كذلك، إن نهاية هذه الحياة، مهما طالت، هي الموت؛ والتفكير في الموت مهما كانت كيفيته، سخيف لا طائل تحته

(هذا لو كان التفكير في الموت في حد ذاته لا يؤثر تأثيراً سيئاً في أعصاب الإنسان، أما وأنه يورث السوداء، ويسيء إلى الأعصاب، بل ينهكها، ويضع غشاوة بين ناظري الإنسان وبين مناظر الحياة، فأحرى بالعاقل ألا يشتري بسعادة الاطمئنان والغفلة قلق التخوف وانتظار الشر، وان يستمتع بالحياة كما تأتيه لا أن يضع في كأسها سم التخوف والتفكير في الموت)

فاعترضت قائلاً:

(إن التفكير في الموت سخيف كما تقول، ولكن الإنسان يفكر في الموت بالرغم منه، وهو لو وجد سبيلا إلى النسيان والغفلة عنه لما تردد في ذلك، ولكني أجدني في بعض الأحايين ترهقني أخيلة الموت وأنا على أتم ما أكون صحة وراحة بال، ولا يكون تفكيري هذا بإرادة مني، فإني لا أرغب أن أشوب حالة الراحة التي أنت فيها بقلق غير مرغوب)

<<  <  ج:
ص:  >  >>