. . . هذه أول مقالة من عدة مقالات في تطوير فكرة النظام الشمسي عند اليونان وعند الكنيسة في العصور الوسطى، وعند العرب، ثم الانقلاب الأخير الذي حدث على عهد كويرنيكس وجاليليو.
وقفت في مساء ليلة من ليالي الصيف متأملاً انحدار الشمس إلى المغرب انحداراً بطيئاً، وكان الشفق بألوانه ممتعاً للأنظار، محركا للنفوس. لكني لم أبال بجمال المنظر أكثر من أن الشمس ستتوارى عني وراء الجبال بضع دقائق
وأجهدت نفسي في تلك الآونة لأرى الشمس واقفة وأشعر نفسي متحركاً مع الأرض، لكن جهدي ذهب عبثاً، إذ مازلت أرى الشمس تهوي مسرعة لتختفي عن ناظري، والشفق يزداد احمراراً كلما دنت من المغيب. فبالرغم عني لم أرها إلا متحركة وبالرغم عن كل شيء لم نلاحظ الشمس تقف ثانية واحدة في مجراها اليومي، فهي أبداً في كل يوم نشاهدها صباحاً في المشرق، ترتقي رويداً في هذه القبة الزرقاء، إلى أن تصل أوجها في منتصف النهار، ثم تأخذ في الانحدار والاختفاء وراء الأفق الغربي، فتضئ هناك ما كان مظلماً، وتبقى خلفها الظلمة ترتقبها النجوم بأعين ساحرة متلألئة.
وقد نشاهد القمر أحياناً يظهر بعد اختفاء الشمس، فيسلك مسلكها، ويتبع خطاها واحدة واحدة، إلى أن يتدرج في انحداره وراء الجبال أو وراء البحار. ففي أثناء هذه الدورة العظيمة من الشمس، أو هذا الانقلاب الخطير المتعاقب من ليل ونهار، من بفكر أو يشعر أنه دائر حول محور الأرض بسرعة تقرب من الألف ميل في الساعة، وأنه في اثنتي عشرة ساعة ينقلب أسفله إلى أعلاه وأعلاه إلى أسفله؟ وكيف يكون هذا الدوران السريع ولا نرى البنايات تتهدم، والأشجار تتساقط، والمياه تتطاير في الفضاء والناس تقع وتقوم؟. إن هذا الدوران حركة عنيفة قادرة على تفتيت الأرض وهدمها. فبما أن كل هذه الأشياء لا تحدث، فالأرض إذن ثابتة لا تتحرك في وسط هذه القبة المستديرة. نعم ذلك ما اعتقده اليونان الأقدمون وجاهر به بطليموس في القرن الثاني بعد الميلاد. فثبات الأرض في