انتشرت المستعمرات والمعاقل العربية خلال القرن العاشر في بروفانس وسافوا وبييمون وسويسره كما بينا، وبسط العرب سيادتهم على ممرات جبال الألب وعلى الحدود بين غاليس وبلاد اللونبارد (شمال إيطاليا) وبينها وبين سويسره، وبلغوا في تقدمهم في غاليس مدينة جرينوبل، واحتلوا في سويسرا ولاية فاليه ومفاوز جورا المتاخمة لبرجونية، واحتلوا في إيطاليا الشمالية ولاية ليجوريا. وكانت معاقلهم في بروفانس ولا سيما حصن (فركسنيه) قواعد غزواتهم وملاذ قوتهم وسيادتهم. والظاهر أنهم اتبعوا نفس هذه الخطة في سهول بيمون فأنشأوا فيهاسلسلة من الحصون والقلاع القوية لتكون مركز غزواتهم في بلاد اللونبارد وفي سويسره؛ فإن الرواية الكنسية التي كتبها حبر معاصر من دير نوفاليس تذكر لنا اسم حصن عربي في تلك الأنحاء وتسميه (فراشنديلوم) والمظنون أنه هو المكان الذي تعرفه الجغرافية الحديثة باسم (فراسنيتو) وهو الواقع في لومبارديا على مقربة من نهر (بو). وتقص علينا نفس هذه الرواية الكنسية أيضاً أن سيداً نصرانياً من سادة تلك الأنحاء يدعى أيمون دفعه شغف المغامرة والكسب إلى محالفة العرب، فانضم إليهم واشترك في غاراتهم الناهبة، وفي ذات يوم وقعت بين السبايا امرأة رائعة الحسن، فاستبقاها أيمون لنفسه، ولكن زعيماً عربياً استحسنها وانتزعها منه قسراً، فغضب إيمون، والتجأ إلى كونت روتبالدوس حاكم بروفانس العليا، وفاوضه سراً في محاربة العرب وإنقاذ البلاد منهم، فرحب الكونت بهذا المشروع، ودعا السادة إلى معاونته، واستطاع أن يحشد قوات كبيرة وهوجم العرب في بييمون من كل صوب ومزقوا، وسقطت قلاعهم في يد النصارى، وذهب سلطانهم في تلك الأنحاء.
وتقص الرواية الكنسية أيضاً قصة مؤامرة دبرها كونراد ملك برجونية لإهلاك العرب النازلين في أملاكه، في جورا وعلى حدود برجونية، والمجر الذين كانوا يشاطرونهم يومئذ الإغارة والعيث في تلك الأنحاء. وذلك أنه كتب إلى العرب يستحثهم لقتال منافسيهم المجر، وانتزاع ما بيدهم من الأراضي والضياع والخصبة؛ وكتب مثل ذلك إلى العرب يستحثهم