أدبنا عكر لا لون له ولا طابع ولا شرعة ولا منهاج ولا هدف. أدبنا أكسح تنقصه الحيوية وتعوزه الروح ويغتفر إلى التوجيه الصحيح.
ونحن نريد أدباً يدفع إلى المجد؛ يغذي الفكر ويهذب المشاعر ويروض النشء على تذوق كل جميل وفي هذه الصدور اليائسة ينفح هزة الحياة لتشرع وتفكر ثم تعمل لتحي سعيداً.
أدبنا عكر لأن فيه من كل مذهب بدعة، ولكل طائفة شرعة، ولكل أديب أو متأدب دعوة، وكل ثائر ناقم يمجد نهجه ويعيب غيره. فمن مشرق يتمسك بالقديم البالي؛ يركب نهج القديم باسم الاصالة، ويفتعل في الأدب باسم القومية، وعلى المعنى يجني باسم التعمق، وعلى اللفظ باسم الجزالة بل وعلى الأدب باسم الأدب. هذا القديم ضال في غوايته، تائه في ضلالته، ناس أو متناس أن الأدب فن رفيع من فنون الحياة يتجدد بتجددها ويتأثر بكل ما فيها من مؤثرات اجتماعية كانت أو فلسفية أو علمية، وأن أدب أية أمة مهما تعالي وتسامي متأثر بالآداب الأخرى مؤثر فيها.
وأسانيد المدرسة القديمة وتلاميذها من أدبائنا كثيرون، ومعظم أدب هؤلاء دوار في مجالات القديم، وأكثر موضوعاته لا تعدو اجتراراً لمآثر الماضي، ومناهل هذا الأدب فلي المعاجم ونبش وريقات الماضي.
ولهذا الطراز من الأدب أسلوبه الخاص، فلغته عربية سليمة، وألفاظ جزلة ومعان عميقة وتراكيب مرصوفة لها منسقة النفوس. وهي لغة القرآن فلها قدسيتها ورفعتها وإذن فهي أسمى من أن تؤنس بغريب، وأوسع من أن تقصر عن أداء معنى، وأرفع من أن تنالها يد التحوير والتغير. . . أما خيالاته فصافية هادئة إلا أن أجواءها ساجية حزينة قل أن تجد فيها تصويراً حركياً أو وضعاً نابضاً بالحياة.
ومن مغرب قدر له أن يطلع على شيء من أدب الغرب فبهره التجديد وانغمس فيه ثم عاد يحمل رزماً من الطرائق والمناهج وجهر يدعو لتطبيقها كاملة غير منقوصة. وليته دري أن لكل بيئة خصائصها وفي كل مجتمع ميزات ينفرد بها ولكل قوم أمزجتهم وأهواءهم، فما يصلح في بيئة قد لا يصلح كله في الأخرى، وما يستساغ عند قوم يمجه آخرون.