(يعرف القراء فجيعة الأستاذ عزيز بك أباضة في زوجته من
مجموعة أشعاره (أنات حائرة)، وقد عرفوا أخيراً فجيعة
الأستاذ عبد الرحمن صدقي من أشعاره التي يوالي نشرها هنا
وفي الثقافة. وفيما يلي كلمة أرسلها إلى زميله، وهي عامرة
بروح التقدير الكريم والمشاركة في الألم الوجع)
عزيزي الأستاذ عبد الرحمن:
تتبعتُ قصائدك التي تنشر في الرسالة والثقافة. وما أظنها قصائد بالمعنى المفهوم، ولكنها دموع العين والقلب معاً تقطر في أصدق تعبير واشرفه - ولكنها الحشاشة الذائبة والنفس المنصهرة تترقق في أنصع الشعر وأسماه.
وما من شك أن هذه اللوعة التي تحترق بها أنت، قد اهتز لها في آفاقه الشعر الباكي، وابتهج بها في محيطه الأدب الحزين. فلقد أضفت إلى صحفها التي طهرتها الآلام صحفاً أخرى تضيء بأنبل الألم وفي الألم لذة مشرقة تستشعرها النفس وهي تكتوي بناره، وتراح لها الروح وهي تتنزى فوق أواره.
أما أنا، فلي شأنٌ مع دموعك، شأن غير شأن الناس. فلقد رثيت لها أكثر مما رثى الناس. ذلك أنني فهمتها أكثر مما فهمها الناس. ثم إذا دموعك أو قصائدك قد امتزجت بأحناء تفسك وأعراقها حتى لأَوشك أن يتسرب بعضها في بعض.
ثم زدتُ فأوشكتُ أن أدعّي لنفسي منها هذه المقطوعة الدامية أو ذلك البيت الأّيم. . . ولِمَ لا أفعل، إذا كنت أجد فيها صدى نفسي، وأسمع فيها همسها وزفيرها، وأستاف منها رائحة الكبد المحترقة.