للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

أقصوصة وصفية

سائق القطار

للأديب محمود البدوي

(تشرب. . .؟)

(لا. . . وأشكرك. . .)

فانحنى مساعد السائق، ووضع القلة الفخارية المفحمة في ركن من القاطرة، وانتصب وهو يمسح بيده الماء السائل من جانبي فمه، وتحول إلى النافذة وقال بعد أن لمح نور إحدى القرى:

(الفكرية؟)

(آه. . . . . .)

(. . . . . . . . .)

(فحم. . .)

ففتح المساعد باب الفرن المستدير، ورمق النار وهي تتضرم وتلتهب، وطالعه وهجها وسعيرها، فارتد عنها وأمسك بمجراف الفحم وقوس ظهره وغيب طرف المجراف في المخزن، ثم استدار وتقدم خطوة وعينه على الباب، ورمى النار بالوقود، فخمدت جذوتها وتلوت ودخنت، ثم شبت وامتدت ألسنتها على الحديد والتصقت بجدران الفرن، ودارت على جوانبها وسقفها، وزادها تيار الهواء ضراماً وسعيراً. . . ورمى المساعد النار بمجراف آخر، ثم رقبها لحظة، وكأنه شعر بحاجتها إلى المزيد فرماها بمجرافين معاً، وضم الباب بيده، ونصب قامته ويده على مقبض المجراف، وطرف كمه الممزق يمسح العرق المتصبب الملوث بغبار الفحم وقطرات الزيت، ونزلت يده على جنبه وتنفس وقال في صوت هادئ تشوبه بعض المرارة:

(كل شيء تغير في هذه الدنيا بعد الحرب. . . حتى الفحم)

فسأل السائق وعينه على الطريق وظهره إلى مساعده:

<<  <  ج:
ص:  >  >>