[على هامش الحرب]
ثغر لا يتبسم
للأستاذ محمود غنيم
وقف الشاعر على شاطئ البحر فراعه ظلام شارع الكورنيش كما يقضي أمر الحاكم العسكري فأنشد هذه الأبيات:
الشطُّ داجٍ والسكون مخيِّمُ ... ما بال ثغر الثغر لا يتبسَّمُ
عهدي به طلقاً بشوشَ الوجه إذ ... وجهُ الطبيعة عابسٌ متجهم
ساد الظلام البحرَ حتى أوشكت ... في الليل تخشى أن تُطلَّ الأنجم
فكأن أرواحاً (بوارسو) أُزهقت ... فأقيم في مصرٍ عليها مأتم
البحر يغمره الظلامُ. فيا له ... من عَيْلَمٍ يطغى عليه عيلم
لا نور في الآفاق إلا أن ترى ... طيارةً قد طاردتها أسهم
أو حمرة الشفق التقت بعجاجةٍ ... فكأن ماء البحر خالطه دم
أو طيفَ مصباح بدا وكأنه ... يخشى من الغارات فهو ملثَّم
نور كنور النجم خلف الغيم أو ... كهلال يوم الشك خافٍ مبهمُ
ولقد نظرت إلى المنار فما انثنى ... طرفي. وهل يَثنيه جسم معتِم؟
قد عُطِّل المصطافُ من سُمَّارهِ ... وانفضَّ من قبل الأوان الموسم
أقوت مسارحه وأغطش ليلُه ... لا راقصٌ فيه ولا مترنِّم
قد كان يحيى الليلَ فيه معشرٌ ... فتثاءبوا عند الغروب وهوَّموا
أين الملاح على ملاعبَ سيفِهِ ... وكأنهنَّ به طيورٌ حُوَّم؟
جيش من الآرام كان مرابطاً ... ما باله من غير حرب يُهزم؟
هذي عروس البحر أم أنا حالمٌ ... ما بالها ليست كما أتوهم؟
ما ساهمتْ في الحرب إلا أنها ... بالصمت عن هول الحروب تترجم
لكأن هذا الصمت بين مسامعي ... طلقاتُ أفواهِ المدافع تهْزِم
كم كنت أغشاها فأنسى عندها ... نفسي ويسبح بي الخيال وأحلُم
دنيا يفيض بها السرورُ وعالمٌ ... مَرِحٌ وجو بالسعادة مفعَم