للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مسابقة الفلسفة لطلاب السنة التوجيهية]

(٢) مناهج الأدلة لابن رشد

للأستاذ كمال دسوقي

وإذا فرغ فيلسوفنا من إثبات وجود الله يتناول مشكلة، فبعد تقرير الذات تأتي الصفات، وبعد الصفات الأفعال، وإن كان هذا التقسيم الثلاثي غير ظاهر تماماً كما كان تبويب الكتاب وتوزيع فصوله غير دقيق كذلك. وهو العيب الذي يعتور كثيرا من الكتب الإسلامية القديمة، والذي يحتاج معظمها من أجله إلى معاودة النشر بتبويب وتفصيل جديدين.

والذي ذكره ابن رشد من صفات الله سبع فقط يقول أنها التي وردت في الكتاب - وقد سبق أن قلت لكم أن لله صفات أكثر من هذه تبلغ العشرين من حيث هي ثبوتية، ومثلها مما يقابلها من حيث هي سلبية (تجدونها في كتب التوحيد) وكلها مؤيدة بالآيات القرآنية كالتي ذكرها ابن رشد. ولكن يبدو أن الفيلسوف لا يذكر من صفات الله إلا ما يتصف به الإنسان الكامل كما يقول، وأول هذه الصفات العلم، الآية التي يستشهد بها على هذه الصفة تدل أقل ما تدل على أنه ما في المخلوقات من براعة الصنع ودقة الترتيب بما يوافق الغاية المرسومة لا يمكن ن يكون اعتباطاً - بل لا بد من حكمة وتدبير مقصودين صادرين عن علم كامل. وعلم الله صفة قديمة كما هو قديم، وليس بصحيح ما يقوله المتكلمون من أنه يعلم بالعلم القديم الشيء المحدث وإلا لكان علمه يتنوع؛ أو كان كالشيء تارة يوجد وتارة لا يوجد؛ وهذا ما لا يقتضيه الشرع لأن العلم المتغير محدث - وهو خلاف ما قررناه والحياة بعد هذا شرط العلم؛ متى ثبت العلم تقررت الحياة وأمكن أن ننتقل مما قام عليه الدليل إلى ما لم يبرهن عليه بعد - ولا اعتراض لابن رشد على ما قال المتكلمون في هذاوالإرادة والقدرة لازمتان كذلك لصفة العلم التي سيق إثباتها بالأشياء المخلوقة - وما قيل في العلم يقال في الإرادة من حيث أن كون الشيء الآن ليس بإرادة قديمة كما يتوهم المتكلمون بل يجب أن يكون حدوث الشيء وقت إرادته؛ وعدم حدثه رهنا بعدم إرادته كما تقتضي الآية (كن فيكون) ولما كان الموجود الواحد عالماً بما يفعل وقادراً على فعل ما يريد؛ فإنه قادر أيضاً على مخاطبة من يريد والكشف له عما بنفسه - وهو الكلام - الذي هو أحرى بالله من الإنسان لكمال قدرة هذا وعلمه وإرادته والكلام إذا كان ولابد بواسطة اللفظ؛ فليس من

<<  <  ج:
ص:  >  >>